1. السياق العام
يعرف المجتمع المغربي في المرحلة الراهنة مخاضًا سياسيًا واجتماعيًا حادًا، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التي تواكبها نقاشات عمومية واسعة حول حصيلة الولاية الحكومية المنتهية. وقد طغت على هذه النقاشات مسألة الفساد باعتبارها معيقًا بنيويًا مست كل مجالات الحياة، وانعكست بشكل مباشر على الحقوق الأساسية للمواطنين، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والشغل والسكن، فضلًا عن مظاهر التضييق على بعض الحريات العامة. هذا الوضع أدى إلى تصاعد موجة الاحتجاجات في ربوع الوطن، كان آخرها احتجاجات ساكنة إقليم تاونات بشأن الحق في الماء والخدمات الصحية.
في هذا السياق، تزايد الحضور المجتمعي والافتراضي للنقاش حول الحق في الصحة، بما يعكس إدراكًا متناميًا لدى المواطنين بأهمية هذا الحق كمدخل أساسي للعدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية. إلا أن المنظومة الصحية الوطنية ما زالت تواجه صعوبات كبرى على مستوى البنية التحتية، والموارد البشرية، والحكامة، وهو ما يعيق تفعيل الإصلاحات المعلنة ويجعل الحكم على فعاليتها متعذرًا في غياب تنزيل فعلي وممنهج.
2. أبرز محاور الإصلاح الصحي
شهدت السنوات الأخيرة إطلاق مجموعة من الأوراش الإصلاحية التي تهدف إلى إعادة بناء المنظومة الصحية، من أبرزها:
إحداث الهيئة العليا للصحة: باعتبارها مؤسسة مستقلة، ذات دور استراتيجي في تقييم السياسات الصحية، وضمان جودتها، وتعزيز مبادئ الشفافية والنجاعة.
إرساء الجماعات الترابية للصحة: بغرض تقريب الخدمات من المواطنين وضمان العدالة المجالية في الولوج إلى العلاج.
توسيع الحماية الاجتماعية: عبر تعميم التغطية الصحية الإجبارية لتشمل جميع الفئات الاجتماعية، في إطار تنزيل المشروع الملكي الكبير للحماية الاجتماعية.
هذه المبادرات تشكل إطارًا طموحًا لإصلاح النظام الصحي، لكنها تظل رهينة بمدى توفر إرادة سياسية قوية، وآليات تنفيذية ناجعة، وموارد مالية وبشرية كافية.
3. التحديات والقصور
رغم أهمية الإصلاحات المعلنة، ما تزال المنظومة الصحية تعاني من عدة إكراهات بنيوية، من بينها:
ضعف التنزيل الفعلي للهيئة العليا للصحة وتأخر تفعيل هياكلها وميكانيزماتها العملية.
استمرار الخصاص الحاد في الموارد البشرية الصحية وضعف تحفيز الكفاءات.
اختلالات في التمويل الصحي وضعف آليات الحكامة الرشيدة.
غياب رؤية واضحة لتدبير التفاوتات المجالية في عرض الخدمات الصحية.
4. الخلاصة والتوصيات
إن الإصلاح الصحي يشكل مدخلًا استراتيجيًا لأي مشروع تنموي يروم تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين. غير أن نجاح هذا الإصلاح يظل مرهونًا بقدرة الدولة على:
1. التسريع بتنزيل الهيئة العليا للصحة وتوضيح أدوارها التنسيقية والرقابية.
2. تعزيز حكامة القطاع عبر آليات للمساءلة والشفافية.
3. معالجة الخصاص في الموارد البشرية بشكل استعجالي عبر التوظيف، والتكوين، والتحفيز.
4. ضمان عدالة مجالية في الخدمات الصحية كأولوية قصوى.
وبذلك، فإن جعل الصحة في صلب السياسات العمومية يتطلب الانتقال من منطق الإصلاح المعلن إلى الإصلاح المُمكَّن والملموس، بما يعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة ويكرس فعليًا الحق الدستوري في الصحة.