شرعية متجذّرة ومركّبة
المغرب ليس دولة تبحث عن شرعية ظرفية، بل كيان سياسي تراكمي، يستند إلى ثلاثية متماسكة:
شرعية تاريخية متجسدة في ميثاق البيعة الذي وحّد الملك والشعب على مدى قرون.
شرعية دستورية تقوم على مؤسسات حديثة تُجدَّد عبر صناديق الاقتراع.
شرعية تنموية ودبلوماسية تتجسد في مشاريع كبرى وإنجازات ملموسة عززت ثقة الداخل ووزن الخارج.
هذه الشرعية المركّبة لا تُقاس بمعايير سطحية أو بتوصيفات جاهزة، بل بفهم عميق للسياق المغربي ومساره التاريخي.
بين النقد المشروع والانزلاق الإعلامي
لا أحد يعترض على حق الصحافة في النقد، بل هو ضرورة في أي نظام يسعى للتطوير. لكن الفارق كبير بين نقد موضوعي يستند إلى أدلة وتحقيقات مهنية، وبين خطاب صحفي يقوم على الإيحاءات والتعميمات. ما نشرته «لوموند» يعكس هذا الخلط، حيث استُبدل التوثيق بالانطباع، والسياق بالتهويل، والنقد الموضوعي بالتأويل المغرض.
إنجازات غابت عن المقالات
ما غاب عن الصحيفة الفرنسية أن المغرب حقق خلال العقدين الأخيرين تحولات استراتيجية لا يمكن القفز عليها:
-إصلاحات مؤسساتية عميقة في العدالة، الجهوية المتقدمة، والحماية الاجتماعية.
-استثمارات كبرى في الطاقات المتجددة، البنيات التحتية، والصناعات الناشئة.
-دبلوماسية نشيطة عززت موقع المغرب كفاعل إقليمي ووسيط موثوق.
هذه المعطيات لا تبرّئ المغرب من التحديات، لكنها تكشف أن مسار الإصلاح قائم ومتدرج، وأن المقاربة الإنصافية هي الأجدر بالصحافة الدولية.
ازدواجية المعايير
مفارقة لافتة أن صحيفة مثل «لوموند» تُمارس أقصى درجات الصرامة في مراقبة المغرب، بينما تغض الطرف عن أزمات داخلية تعصف بالصحافة الغربية نفسها: تركّز الملكية الإعلامية، الضغوط السياسية والمالية، والانزلاق نحو الإثارة على حساب المضمون. النقد يفقد معناه حين يُمارس بانتقائية، وحين يُحوَّل إلى أداة تصفية حسابات بدل أن يكون أداة لتنوير الرأي العام.
الديمقراطية مسار لا لحظة
الديمقراطية ليست وصفة سريعة ولا مقياسًا يُختزل في تقرير عابر، بل مسار طويل يقوم على التدرج والتراكم. المغرب اختار الإصلاح المتدرج حفاظًا على الاستقرار وتعزيزًا للفعالية. والسؤال الأهم ليس: هل بلغ المغرب الكمال الديمقراطي؟ بل: هل يتقدم نحو توسيع المشاركة وتعزيز دولة القانون؟ الجواب واضح في الإصلاحات والمشاريع التي تتوالى بوتيرة متصاعدة.
الخاتمة: قوة الإنجاز أقوى من ضجيج المقالات
المغرب لا يحتاج إلى شهادة حسن سلوك من افتتاحيات باريسية متعَبة، ولا إلى دروس ديمقراطية من أقلام تعجز عن نقد ذاتها. قوته الحقيقية تتجسد في إنجازاته: كل ورش اجتماعي، كل مشروع استراتيجي، وكل نجاح دبلوماسي هو جواب عملي يتجاوز الضجيج الإعلامي. والمفارقة أن ارتفاع أصوات المشككين ليس إلا انعكاسًا لنجاح المسار المغربي.