لحظة مصالحة فرس والناصيري لطي ملف الورقة الحمراء
لايمكن القول إن الورقة الحمراء الوحيدة التي تلقاها المرحوم أحمد فرس في مسيرته الكروية قد أخذت من النقاش أكثر من حجمها.
لقد كانت في سياقها التاريخي حدثا صدم جميع مكونات الكرة المغربية لأن فرس كان في عز تألقه مع فريقه شباب المحمدية والمنتخب الوطني، ووقع الحادث قبل سنة من تتويج "مول الكرة" بكأس العرش وبالكرة الذهبية. هذا إضافة إلى اقتناع الكل بأخلاقه العالية واحترامه وتقديره للجميع.
لقد تناولت الموضوع بتفصيل في حلقة سابقة ضمن هذه السلسلة. وقلت إن أحمد فرس تواصل مع الحكم الناصيري مباشرة بعد نهاية المباراة داخل مستودع الملابس، وأكد له أنه لم ينطق بأية جارحة في حقه. قام بذلك لطيبة قلبه وإرضاء لضميره..
ولكن كنا كأصدقاء لأحمد فرس متأكدين من إحساسه بأنه رغم تسامحه، لم يستطع تجاوز ذلك الشعور بالظلم.
عشاء ببيت المرحوم حميد الهزاز لحظة مصالحة بين فرس والناصيري
يروي بعض رفاق المرحوم فرس في جمعية "صداقة ورياضة"، وسيؤكد هو هذه الحكاية، أن لقاء جمع بعد سنوات من حادث الورقة الحمراء، عددا من نجوم المنتخب الوطني، سواء من الجيل الذهبي لبداية السبعينيات أو من نجوم "مكسيكو 86"، ببيت الحارس الدولي الراحل حميد الهزار بمدينة فاس.
في تلك الأمسية التي حضرها أحمد فرس والحكم الدولي عبد العالي الناصري، أُثيرت قضية الورقة الحمراء من طرف اللاعب الدولي السابق، أحد المتوجين بكأس أفريقيا 76، عبد العالي الزهراوي، المعروف بمرحه وقفشاته، علما أن
الناصري ظل يتفادى فرس في كل الجولات والأنشطة مع صداقة ورياضة. إلا أن مناسبة اللقاء/ العشاء ببيت حميد المرحوم الهزاز كان فرصة للطي النهائي للملف.
قال لي الأستاذ فؤاد بلمير الذي كان أحمد فرس يكن له الاحترام والتقدير ويطلب مرافقته في جميع أسفاره مع جمعية "صداقة ورياضة"، إن الحكم السابق الناصري طلب منه بإشارة بعينيه التدخل لإقناع الحاج فرس بقبول اعتذاره. وفعلا تمكن الأستاذ بلمير بسرعة من إقناع صديقه فري بجعل هذا العشاء مناسبة لطي الملف. ولم يتأخر أحمد فرس، بما عرف عنه من صفاء القلب، في الاستجابة لنداء المصالحة. لحظة صافح فيها الناصري وأعلن بوضوح أن صفحات الماضي يمكن أن تطوى باسم والاحترام. وانتهت الحكاية بروح انسانية نبيلة كنبل الرجلين.
مشهد أكثر من مصالحة..درس في نبل الرياضة
كان ذلك المشهد أكثر من مجرد مصالحة شخصية، بل درسا بليغا في أن الرياضة الحق لا تقاس بالانتصارات فقط، بل بالقدرة على التسامح والسمو فوق الجراح.
وبعد أن كان الحكم الناصري حريصا في كل مناسبة على تفادي المواجهة المباشرة مع النجم الراحل، وكأن لحظة الاعتذار المؤجلة كانت تطارده، أصبح منذ ذلك اللقاء قريبا من الحاج فرس.
وعندما أسلم فرس الروح إلى باريها، حرص الحكم الناصيري على الحضور لوداعه الأخير، في إشارة دالة على أن روح الصفح التي ميزت اللاعب الكبير ظلت حاضرة حتى بعد رحيله.
رحم الله أحمد فرس، فقد رحل الجسد وبقيت السيرة شاهدا على أن العظمة في الرياضة ليست في الأهداف المسجلة، بل في نقاء القلوب وطهارتها.