لطفي راكمي: حوادث الشغل في المغرب.. بين النزيف الصامت وغياب العدالة الأجرية وتأخر الإصلاح

لطفي راكمي: حوادث الشغل في المغرب.. بين النزيف الصامت وغياب العدالة الأجرية وتأخر الإصلاح لطفي راكمي
رغم التقدم التشريعي الذي عرفه المغرب في مجال تعويض ضحايا حوادث الشغل، إلا أن واقع الحال يكشف عن استمرار نزيف صامت يُهدد آلاف الأجراء سنويًا، في ظل غياب شروط الوقاية، وضعف الحماية الاجتماعية، واستمرار اختلالات العدالة الأجرية.
 
تُشير الإحصائيات إلى أن المغرب يسجل سنويًا ما يفوق 45 ألف حادثة شغل، يُخلف بعضها وفيات أو إعاقات دائمة، خاصة في قطاعات البناء والفلاحة والصناعة. ورغم وجود القانون 18.12، فإن آلاف العمال لا يحصلون على تعويضات عادلة، إما بسبب ضعف التصريح أو صعوبة المساطر القانونية أو تقاعس بعض المشغلين.
 
هنا تبرز أهمية الحماية الاجتماعية، ليس فقط كآلية تعويض، بل كمنظومة يجب أن تشمل التغطية الصحية، المعاشات، وتأمين المخاطر المهنية. لكن هذه الحماية لا تزال محدودة، خاصة لدى العاملين في القطاع غير المهيكل أو غير المصرح بهم.
 
أما من جهة العدالة الأجرية، فهي لا تزال غائبة بالنسبة لضحايا حوادث الشغل وخير دليل توقف الزيادة في الإيرادات رغم ان صندوق الزيادة في إيرادات حوادث الشغل بالمغرب هو آلية مالية تهدف إلى تحسين التعويضات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وذويهم، خاصة الأرامل واليتامى. يُعتبر هذا الصندوق جزءًا من منظومة الحماية الاجتماعية التي تسعى إلى ضمان الكرامة والعدالة الاجتماعية لهذه الفئة..
 
ولعل النقطة الأكثر استفزازًا هي توقف الزيادة في إيرادات حوادث الشغل والأمراض المهنية منذ 2013، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة والزيادات المتكررة في الحد الأدنى للأجور. ورغم مطالبات المجتمع المدني والنقابات، لا تزال المراسيم التنظيمية معطلة، وسط صمت حكومي وغياب إرادة سياسية واضحة، في وقت يعاني فيه الضحايا وذووهم من تعويضات هزيلة لا تواكب واقعهم الاقتصادي.
 
كل هذه التحديات تفرض تبنّي مقاربة تشاركية حقيقية، تُشرك الدولة، المشغلين، النقابات، والجمعيات، لصياغة وتنفيذ سياسات مندمجة تضمن بيئة عمل آمنة، وعدالة أجرية، وتعويضات منصفة. كما أن الإعلام والبحث العلمي مدعوان للانخراط في هذا الورش، من خلال تسليط الضوء على واقع الضحايا وتحليل مكامن الخلل.
 
وفي الأخير نقول حوادث الشغل ليست مجرد أرقام، بل قصص إنسانية مؤلمة، تكشف هشاشة اجتماعية واختلالات بنيوية. ولا يمكن الحد منها دون بناء منظومة متكاملة تقوم على العدالة الاجتماعية، الحماية الفعلية، والمشاركة الواسعة في القرار والتطبيق.