في الأزقة الضيقة للحي المحمدي بالدارالبيضاء، ولد يوسف الرخيص بلا أي شيء، سوى فقر يحيط بالبيت من كل الجهات، وهشاشة تسكن تفاصيل أسرة قادمة من أرض قاحلة بحثا عن كسرة خبز.
لم يكن في حوزته سوى ستر الله، ولا في جيبه إلا كسرة صغيرة وكثير من الأمل.
ثم جاءت الضربة القاسية:
خطأ طبي في التلقيح أصاب طفولته بشلل في أطرافه السفلى. لكن ذلك لم يمنعه من اللعب والجري والحلم، حتى ظنت أسرته أن جرأته جنون طفولي لا يدرك خطورته.
وذات يوم، وبينما الطفل يتكئ على عصاه الخشبية، شاءت الصدفة أن تضعه وجها لوجه أمام الملك الحسن الثاني.
سأله الملك: “ماذا تريد مني؟”
كان يتوقع أن يطلب الصغير حذاء أو معطفا أو سقفا يحميه، لكن يوسف أجاب ببراءة تختصر كل الحلم: “بغيت نبقا معاك.”
لحظة دهشة، ثم قرار غير المصير: سيبقى الطفل مع الملك. ومنذ ذلك اليوم، تكفل القصر بعلاجه وتعليمه، فأُرسل إلى فرنسا ليتعافى، ثم إلى ثانوية ليوطي، قبل أن يشق طريقه إلى المكتب الشريف للفوسفاط، حيث أصبح إطارا في المعلومات والمحاسبات.
من الحي المحمدي إلى بلاط الملك، ومن الإعاقة إلى القوة، ومن الهشاشة إلى المسؤولية، نسج يوسف الرخيص سيرة تقرأ كأنها فصل من رواية، لكنها الحقيقة.
واليوم، صار رئيس مقاطعة جماعية بالدار البيضاء، واسمه يتردد كمرشح طبيعي لمنصب العمدة. أما البرلمان، فبالنسبة إليه مجرد محطة عابرة، لأنه اعتاد أن يقف في وجه وزراء بكامل هيبتهم ويجعلهم يصغون إليه.
ومع ذلك، ما زال يوسف يتلقى “العصا” كل يوم: تكال له التهم ويرشق بالسب والقذف، فقط لأنه ينظم تظاهرة فنية أو ثقافيّة تحتفي بالغيوان.
كثيرون يظنون أنه يعيش في “دار الفلوس” من التقليعة، وعليه ان يدفع، بينما هو لا يملك سوى تقاعد بسيط من المكتب الشريف للفوسفاط، وإرادة صلبة علمته أن يحوّل المحنة إلى معجزة إنسانية.
قوة يوسف الرخيص أنه لا يرفض شيئا مما كتبه القدر، بما فيه ذلك مايجري حوله اليوم.
الإعاقة عنده لم تكن عائقا، بل كانت نارا صقلته، وحولته إلى “رجل حديدي” كما يلقبه الوالي هههه،
يذكرنا كل يوم بأن الجسد قد ينكسر، لكن الفكر والعقل متى ظلا يقظين، فإن الإنسان لا يهزم!!!