المصطفى المريزق: الحاشية السفلى والطريق الرابع: محاولة قراءة في ضوء أطروحة بيير بورديو

المصطفى المريزق: الحاشية السفلى والطريق الرابع: محاولة قراءة في ضوء أطروحة بيير بورديو المصطفى المريزق
 
تُعدّ الطبقات الشعبية القروية، في المجتمعات الغربية كما في دول الجنوب، مثالاً حيًا للفئات الاجتماعية المهمّشة والمغيّبة، سواء سياسيًا أو رمزيًا. ورغم كونها تمثل غالبًا قاعدة هرم السكان، إلا أن تمثيلها في المجال العام يبقى ضعيفًا، إن لم يكن غائبًا كليًا. في هذا السياق، تبرز أطروحة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حول «الطبقة كموضوع» (la classe objet) بوصفها إطارًا نظريًا لتحليل هذا التغييب، ولفهم العلاقة المعقدة بين الفئات الشعبية ومواقع إنتاج الخطاب السياسي والثقافي عنها.
 
أولًا: بورديو والهيمنة الرمزية
يرى بورديو أن الفئات الاجتماعية المهيمن عليها لا تعاني فقط من التهميش الاقتصادي، بل كذلك من الهيمنة الرمزية (la domination symbolique)، حيث تُصوَّر وتُحدَّد من الخارج، أي من قبل النخب المثقفة والسياسية (Bourdieu, 1979). هذه الفئات "يُتحدث عنها" لا "تتحدث عن نفسها"، وتُفرض عليها صورة نمطية تشكّل وعيها بذاتها، بل وتسهم في إعادة إنتاج خضوعها.
في تحليله للريف الفرنسي، وتحديدًا في كتابه "La Distinction" و“Le Bal des célibataires”، يشرح بورديو كيف يتم تصوير الفلاحين الصغار ككائنات خارج الزمن، محافظة، متأخرة، وغير قادرة على مواكبة الحداثة. هذا التوصيف لا ينطلق من الواقع بل من نظرة فوقية تعكس علاقات القوة الثقافية.
 
ثانيًا: الحاشية السفلى كنتاج لهيمنة مزدوجة
ينطبق هذا التحليل على ما نسميه  بـ "الحاشية السفلى" (underclass)، وهي فئة اجتماعية تُقصى من التوزيع العادل للموارد، كما تُقصى من الحضور الرمزي في النقاش العام. مفهوم "الحاشية السفلى" نعني به ،كذلك، الإشارة إلى فئات فقيرة ومُهمّشة بشكل دائم، لا تندمج في سوق العمل ولا تُدمج في الحراك الاجتماعي.
 
ثالثًا: الطريق الرابع... مشروع تمكين أم إعادة إنتاج للوصاية؟
  لكي لا  يتحوّل الطريق الرابع  إلى خطاب ناعم يُخفي استمرار الإقصاء الرمزي، لا سيما عندما لا يعالج جذور التفاوت الثقافي والرمزي بين النخب والفئات الشعبية، وإذا لم يتم الاعتراف بالحاشية السفلى كفاعل اجتماعي يمتلك معرفة وتجربة، وما لم تُكسر الثنائية بين المتكلم والمُمثّل عنه، فإن أي مشروع إدماج يدعو اليه إلطريق الرابع سيبقى مشروطًا ومحدود الأثر.
 
خاتمة
إن دمج الطبقات الشعبية، خاصة تلك التي تعيش في مغرب الهامش، لا يمكن أن يتم فقط من خلال مبادرات سياسية أو اقتصادية، بل يستلزم تفكيك علاقات القوة الرمزية وإعادة توزيع رأس المال الثقافي (Bourdieu, 1986). إن "الطريق الرابع" قد يكون فرصة لإصلاح العلاقة بين الدولة والمجتمع، لكنه إن لم يُؤسس على اعتراف فعلي بالفئات المهمشة كذوات فاعلة، فسيعيد إنتاج منطق الوصاية والخطاب الفوقي ذاته الذي وصفه بورديو قبل عقود.
 
ملحوظة: هذه شذرات أولى من مشروع كتاب " الطريق الرابع"- الجزء الثاني
المصطفى المريزق، فاعل مدني وحقوقي