فرس كما عرفته عن قرب.. سلسلة حكايات لم ترو من قبل (الحلقة 27)

فرس كما عرفته عن قرب.. سلسلة حكايات لم ترو من قبل (الحلقة 27) العميد أحمد فرس يتسلم كأس أفريقيا 76 من يدي رئيس إثيوبيا
 
كأس أمم أفريقيا 76..من فراش المرض إلى هداف الدورة 

حتى وإن كان المرحوم أحمد فرس يتجنب الحديث عن إنجازاته الفردية مع فريقه شباب المحمدية أو المنتخب الوطني، فإننا كأصدقاء كنا نسعى إلى النبش في ذاكرته ونحاول دفعه إلى سرد بعض الحكايات الخاصة التي عاشها في مسيرته الكروية الطويلة.
يبقى الفوز مع المنتخب المغربي بكأس أفريقيا سنة 1976 من الأحداث التي كان يفتخر بها الحاج فرس كلقب جماعي أكثر من تتويجه بالكرة الذهبية كإنجاز فردي.
يشار الى أن المغرب سيشارك عام 1976 في ثاني دورة من كأس  أفريقيا بعد دورة الكاميرون 1972 التي أقصي فيها من الدور الأول، بثلاث تعادلات وبسبب القرعة التي منحت التأهل لمنتخب الكونغو الذي كان له نفس الرصيد من النقط.
إشارة: فرس سجل هدفا في كل مباراة كلها انتهت بالتعادل 1-1.
 
فرحة لاعبي المنتخب المغربي بالكأس داخل مستودع الملابس
 
وقاطع المغرب دورة 1974 التي جرت بمصر، احتجاجا على التحكيم الذي كان سببا في إقصائه في تصفيات كأس العالم لتلك السنة حيث تعرض المنتخب الوطني لمجزرة تحكيمية في الزايير،  وبنتيجة ثلاثة أهداف لصفر، أدت إلى رفض المغرب خوض مباراة الإياب بالدارالبيضاء.
سيقول لنا المرحوم ونحن نحرك معه الذاكرة، إنه كان سنة 1976 في أوج العطاء بمعنويات مرتفعة؛ مازال منتشيا بالفوز بكأس العرش رفقة فريقه شباب المحمدية وبالكرة الذهبية..لذا كان يريد أن يثبت في دورة إثيوبيا مكانة المغرب كقوة كروية وكذا فوزه بالكرة الذهبية.
هناك واقعة حدثت لفرس في نهاية كأس العرش سنة 1975ضد الاتحاد القاسمي. سيكلف مدرب اتحاد سيدي قاسم اللاعب  القوي البنية، سماط بالحراسة اللصيقة لعميد شباب المحمدية. وبدا خلال المباراة أن سماط تلقى تعليمات من مدربه بأن يمنع فرس من اللعب بأية طريقة أو حتى مس الكرة، وهو ماكان إلى أن أشهر الحكم في وجهه الورقة الحمراء بعد خشونة واضحة. بعدها سيتمكن فرس من توقيع الهدف الأول ويقوم بتمريرة حاسمة للجناح الطائر عبد المجيد شان ليسجل الهدف الثاني، وتنتهي المباراة بتتويج شباب المحمدية بكأس العرش بحضور الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.
في الأسبوع الموالي، سيوجه الناخب الوطني مارداريسكو الدعوة لسماط للالتحاق بالفريق  الوطني الذي كان قد بدأ الاستعداد لكأس أمم أفريقيا 76. كان فرس معجبا  بهذا المدرب المثقف والذكي.
سيفاجأ سماط الذي كان متوجسا من رد العميد أحمد فرس داخل معسكر الفريق الوطني، فإذا به سيستقبله بعناق ولطف وحرارة، وأكد له  له أنه قام بواجبه في المباراة "والله يسامح.."..وقال له إن الهدف من الوجود داخل المنتخب هو الدفاع عن العلم الوطني وإرضاء المغرب ملكا وشعبا.
سيحين موعد السفر إلى إثيوبيا للمشاركة في كأس أفريقيا، وفرس ينتظر بفارغ الصبر تسجيل حضور قوي في الدورة كمتوج بالكرة الذهبية. لكن ما سيقع له بعد الوصول إلى العاصمة أديس أبابا لم يكن متوقعا. إذ سيصاب  بحمى منعته من الخروج من غرفته بالفندق والغياب عن التداريب مع متابعة طبية مستمرة. قال لنا الحاج إنه لم يعد يقوى حتى على الوقوف. 
 
التشكيلة الرسمية للمنتخب الوطني المغربي المتوج بكأس أمم أفريقيا 76
 
الكولونيل بلمجدوب لفرس: إنس المرض.. الوطن يناديك 
 
الغريب وهو ما لن يفهمه الحاج فرس شخصيا بعد سنوات، أنه في ليلة المباراة الأولى ضد المنتخب السوداني، صعد إلى غرفة فرس الكولونيل المهدي بلمجدوب الحاكم الفعلي في شؤون المنتخب الوطني مرفوقا بالمدرب مارداريسكو.. قال لفرس دون مقدمات: "غدا حنا معولين عليك..ستلعب ضد السودان"..رد مول الكرة: "كيف مون كولونيل أنا مريض ولم أتدرب.."
لم يتقبل بلمجدوب هذا الكلام وقال لفرس كما ورد على لسانه، وكأنه يعطي أمرا عسكريا: "شوف آسي فرس..غادي تلبس وتدخل ووقف وسط الملعب بدون مجهود..متدير والو.. والأكيد أن مدربهم سيكلف لاعبين اثنين بمراقبتك وخللي اللعابة صحابك يديرو خدمتهم.." وأضاف هذا نداء الوطن..
أتذكر وفرس يحكي لنا هذه الواقعة قد أوقف دموعه لأنه عندما سمع كلمة الوطن شعر بطاقة تسري في جسمه، وقال للكولونيل وللمدرب: سألعب غدا إن شاء الله.
سيطلب فرس من طبيب المنتخب الوطني مده بالمزيد من الأدوية والفيتامينات.
وفي الغد، يوم المباراة ضد السودان نزل أحمد فرس من غرفته،  والتحق بزملائه الذين عبروا عن فرحة كبيرة وهم يستقبلونه بالحافلة التي ستقلهم إلى الملعب.
مع انطلاق المباراة، نسي أحمد فرس كل ألم، فكان من أفضل لاعبي المباراة التي انتهت بالتعادل 2-2. لعب فرس ال 90 دقيقة كاملة وباقي المباريات..
هكذا بدأت قصة تحدي ونجاح إذ سيلعب أحمد فرس جميع المباريات وسيرفع كأس أفريقيا كهدية للوطن الذي أشعل فيه بعون من الله روح الأمل والتحدي، وسيتصدر قائمة هدافي الدورة بثلاثة أهداف. كما سيتم أيضا اختياره ضمن التشكيلة المثالية لدورة 1976.
 
طائرة المنتخب تحترق ونجاة فرس وزملائه من موت محقق
 
بعد أن تأهل المنتخب المغربي في مجموعته التي جرت مبارياتها بمدينة ديرداوا، كان على البعثة المغربية أن تستقل الطائرة من هذه المدينة إلى العاصمة أديس أبابا.
إلا أن الطائرة تعرضت لحادث اشتعال في أحد محركاتها، ليتمكن قائدها من العودة إلى المطار ويهبط قبل أن تتحطم الطائرة.
بعد ساعات من الخوف والمعاناة والانتظار، وفى اليوم التالي وبعد إقناع لاعبي المنتخب المغربي بعدما كانوا عازمين على العودة إلى المغرب وعدم استكمال البطولة، تم سفر البعثة المغربية إلى أديس أبابا أخيراً سالمين واستكملوا البطولة وسيكون اللقب من نصيبهم.
كان فرس رحمه الله يتذكر بفخر ذلك الاستقبال الرائع الذي خصص لهم الشعب المغربي من مطار محمد الخامس إلى مقر ولاية الدار البيضاء، حيث كان في انتظارهم ولي العهد آنذاك الأمير، الملك محمد السادس.