المهرجانات الثقافية في المغرب.. رافعة تنموية أم ترف ثقافي؟

المهرجانات الثقافية في المغرب.. رافعة تنموية أم ترف ثقافي؟ مهرجانات بالملايين في قرى بلا ماء ولا طرق
يسود نقاش ساخن في السنوات الأخيرة بشأن جدوى تنظيم المهرجانات الثقافية والفنية، خصوصا في بعض الجماعات الترابية التي تعاني من خصاص في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، حيث تعتبر ساكنة هذه المناطق أن المهرجانات  ينبغي أن تعد مسألة ثانوية ضمن سلم الأولويات، إذ يحز في نفس هؤلاء أن يخصص مبلغ 10 مليون درهم مثلا لمهرجان في قرية لا تتوفر على أبسط مقومات الحياة الكريمة من طرق ومياه صالحة للشرب وسيارة إسعاف وإنارة عمومية.. ولذلك فينبغي أن تعطى الأولوية – بحسب أصحاب هذا الرأي – في صرف المال العام لإصلاح الطرقات وبناء المستشفيات والمدارس وتحسين البنيات التحتية وظروف العيش الكريم..
محمد شخمان، رئيس المركز المغربي للثقافة والإبداع ، يرى من زاويته أن نسبة الإنفاق على التعليم والثقافة كانت مسألة ثانوية في فترة الثمانينيات والتسعينيات تماشيا مع توصيات صندوق النقد الدولي بتخفيض نسبة الإنفاق عليهما بحجة أنها " قطاعات غير منتجة " لكن منذ سنوات طويلة – يضيف - أصبح هناك وعي متنام بأن التعليم والثقافة هما من يصنع الإنسان والإنسان يخلق الثروة ثم التنمية، مؤكدا بأن التربية والثقافة هي من تصنع الإنسان السوي والواعي والمثقف القادر على بناء الحضارة، مما يعني أن الثقافة ليست ترفا، فلا توجد أمة متحضرة دون ثقافة، ودون صناعة ثقافية، ودون تراكم ثقافي..
المهرجانات تعد جزء من قنوات النقاش الثقافي والإشعاع الثقافي والتمكين الثقافي والفني وطنيا ودوليا، ولذلك يعتقد شخمان أن من واجب الدولة بكل مؤسساتها رفع ميزانيات الثقافة على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، والإكثار من المهرجانات الثقافية في كل المدن والقرى، فقط يجب الانتباه إلى جودة المنتوج الثقافي والفني والابتعاد عن الرداءة والابتذال، لأنهما يصنعان أجيالا تائهة ومخذرة، ولا هدف لها ولا فائدة منها، لا لذاتها ولا للمجتمع .

وأكد شخمان تنظيم المهرجانات ليس هدرا للمال العام إلا حين يتعلق الأمر إما بتشجيع الشعوذة والغيبيات في بعض المواسم أو عند السماح بتمرير فقرات تسمى فنية وهي وصلات لنشر الخلاعة والكلام النابي والتشجيع على تعاطي المخدرات ، موضحا بأن في بعض الأحيان لا يكون المشكل في الميزانيات المخصصة للثقافة، بقدر ما يكون المشكل في التوزيع العادل لتلك الميزانية، حيث نجد في كثير من الأحيان أن مهرجانات التفاهة تخصص لها ميزانيات ضخمة، ومهرجانات الفن الراقي والثقافة الجادة تعطى لها مخصصات ضعيفة وأحيانا تحرم من الدعم.

من جهته ذهب عصام خايف الله، فاعل مدني بأن المهرجانات تحمل بعدا مزدوجا، فهي من جهة فرصة ثمينة للتنشيط الثقافي والسياحي، كما تعد المهرجانات نافذة لتعزيز الهوية الثقافية، وتشجيع الإبداع المحلي، وجذب السياحة، خصوصا تلك التي تستند إلى التراث المادي واللامادي، مثل مهرجان وليلي، أو مهرجان موازين، أو مهرجان عيساوة..إذ نجحت في وضع مناطق معزولة على الخريطة الثقافية والسياحية، مما ساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص شغل. كما أن هذه الفعاليات تعطي فرصة للشباب المبدع للتعبير عن نفسه، وتحفيز الوعي الثقافي في أوساط شعبية قد تكون بعيدة عن المؤسسات الرسمية، لكن جهة أخرى، فهذه المهرجانات تثير تساؤلات مشروعة حول جدوى استثمار المال العام في ظل غياب بنيات تحتية أساسية في بعض المدن، كما أن تنظيم المهرجانات لا يبرر التساهل في تسيير الميزانيات أو تجاهل مطالب التنمية الأساسية – يضيف محاورنا - ففي وقت تعاني فيه بعض الجماعات الترابية من نقص في الماء الصالح للشرب، أو التعليم، أو الصحة، يصبح من الطبيعي أن يتساءل المواطن، أليس من الأولى توجيه هذه الموارد نحو تلبية الحاجات الملحة ؟ مؤكدا بأن غياب الشفافية في تمويل بعض المهرجانات، وتركيزها على عروض تفتقر إلى العمق الفني، يعزز صورة التفاهة التي يرفضها الرأي العام. 

وخلص محاورنا الى أن المهرجانات بحد ذاتها ليست هي المشكلة، بل طريقة تنظيمها ومضمونها. فالمطلوب ليس إلغاؤها، بل إعادة تأطيرها ضمن رؤية استراتيجية تدمج الثقافة بالتنمية، كما يجب أن تكون هذه الفعاليات مناسبة للرقي بالذوق العام، ونشر القيم، وتشجيع الفن الهادف، وليس مجرد عروض استهلاكية تنظم لمجرد الظهور الإعلامي.

ولا يختلف رأي أحمد شناوي، فاعل سياسي ونقابي عن آراء الكثيرين بكون المهرجانات تلعب أدوار مهمة في الترويج السياحي والتنشيط الثقافي والتسويق المستدام لمؤهلات مختلف المناطق بالمغرب، لكنه لاحظ أن هذه المهرجانات  انزاحت عن أهدافها و أصبحت عبارة عن " مجرد حفلات موسيقية عابرة " بالنظر النمطية التي طغت عليها وغياب التنوع في فقرات هذه المهرجانات، حيث تفتقر الى الإبداع والتجديد ما جعلها تحيد عن غاياتها والأهداف التي من المفروض أن تحققها، و تنعكس بالتالي على المناطق التي تنظم بها سواء على المستوى التنموي والثقافي والسياحي والاجتماعي..مؤكدا بأن أي تقييم موضوعي اليوم لنتائج هذه المهرجانات في الواقع سيكون كارثيا لا محالة.

كما أبدى شناوي تحفظه بشأن تنظيم مهرجانات ببعض الجماعات القروية حيث تعتبر ميزانيات الجمعيات المنظمة للمهرجانات أكبر من ميزانيات تلك الجماعات، كما أنها تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة ، فالمنطق يقتضي أن يتم الاشتغال على أولويات تنموية تستجيب لحاجيات وتطلعات الساكنة المرابطة في البوادي، وإلا سنكون أمام صورة حقيقية لتجليات المغرب الذي يسير بسرعتين وهو ما لا يمكن أن القبول به على الإطلاق.