دراسة: لا يمكن تصور مستقبل للعدالة والتنمية خارج الاعتراف الجماعي بالمسؤولية عن الفشل وتفكيك منطق الزعيم الأوحد

دراسة: لا يمكن تصور مستقبل للعدالة والتنمية خارج الاعتراف الجماعي بالمسؤولية عن الفشل وتفكيك منطق الزعيم الأوحد عبد الإله بنكيران
كشفت دراسة استشرافية لمركز المؤشر للدراسات والأبحاث حول:" من الانحباس السياسي إلى سيناريوهات ما بعد 2026"، المتعلقة بمسارات الدولة والمجتمع والنسق الحزبي، أنه لا يمكن قراءة سلوك حزب العدالة والتنمية، بعد خروجه المزلزل من تدبير الشأن العام، خارج سياق التوترات الداخلية التي ما فتئت تتفاقم منذ لحظة الانكسار الانتخابي، بل وقبلها، حين بدأت ملامح الانقسام تظهر بين ما يمكن وصفه بـ "الشرعية الدعوية التاريخية" التي يمثلها عبد الإله بنكيران، والبراغماتية الحكومية" التي مثلها سعد الدين العثماني خلال تجربته القصيرة على رأس الحكومة.

وأوضحت الدراسة أن اللافت أن الحزب، في سلوكه السياسي والخطابي ما بعد السقوط، لم يذهب نحو قراءة جماعية نقدية مسؤولة لتجربته في الحكم، بل اختار، عن وعي أو بدونه، طريق التبرؤ، والتملص، واتخذ من شخصية عبد الإله بنكيران رافعة رمزية لما يعتبره "الوجه الحقيقي" للحزب، في مقابل تحميل مرحلة العثماني ما لحق بالحزب من تصدع وتراجع، مشددة على أن هذا السلوك السياسي يعكس في جوهره أزمة بنيوية داخل التنظيم، تتجاوز مجرد اختلاف في التقديرات نحو صراع على تعريف الذات وعلى من يحتكر تمثيل الهوية الأصلية للحزب.

وزادت الدراسة:" لم يكن موقف بنكيران لحظة تشكيل حكومة ما بعد 2016 سوى لحظة مفصلية عرت هذا الانقسام، فرفضه لتحالفات بعينها، واعتبارها خروجا عن الخط، قابله قبول العثماني بها في إطار من الواقعية السياسية التي فرضتها موازين القوى حينها، مبرزة أن هذا القبول لم يغفر له، لا من قبل بنكيران، ولا من قبل القواعد المتشددة في قراءة مفهوم "النقاء السياسي"، ليجد الحزب نفسه وقد بدأ في التأكل من الداخل.

وأفادت:" وإذا كانت الدولة قد فرضت شروطا معينة في تشكيل الحكومة، فإن سؤال العقل السياسي الناضج داخل الحزب كان يجب أن ينصب على كيفية التفاعل المؤسساتي مع هذه الشروط، دون المساس بالكيان الحزبي، لا أن يتحولة النقاش إلى مسألة ولاء أو خيانة، أو صراع على المشروعية".

الدراسة خلصت إلى أن النتيجة كانت أن العديد من الأطر الذين تحملوا المسؤولية في حكومة العثماني وجدوا أنفسهم موضع تشكيك ضمني في شرعيتهم، فغادروا الحزب بصمت، أو أثروا الانكفاء، وهو ما رسخ خطاب التبري أكثر فأكثر، مضيفة أن هذا المسار يعكس خللا عميقا في ثقافة التنظيم السياسي داخل الحزب، حيث يغيب منطق التداول والتقييم الجماعي، وتعلو فيه كاريزما الزعيم القائد على المؤسسات وبنكيران، في هذا السياق، لا يخفي - بل يصرح بذلك - أنه يعتبر نفسه الحزب، وأن المرحلة التي لم يكن فاعلا فيها لا تمثله ولا تمثل جوهر الحزب، بل يعتبرها انحرافا عنه.

وجاء في الدراسة أنه حتى الخطاب السياسي الذي يصدر عن قيادات ظلت في واجهة الحزب خلال مرحلة العثماني، تغير بشكل ملحوظ بعد عودة بنكيران إلى الواجهة، في محاولة لإعادة التموضع أو للانسجام مع المزاج الجديد، في مشهد يعكس هشاشة الثقافة الديمقراطية الداخلية، التي لا تستقيم إلا على قاعدة الولاء للزعيم، لا للمؤسسات أو للأفكار، ويبدو حسب المصدر ذاته، أن بنكيران، الذي ظل دوما يمزج بين اللغة الدعوية والخطاب الشعبوي والمزايدة الأخلاقية، نجح مرة أخرى في فرض منطق التطهر السياسي" على حساب "الواقعية البراغماتية"، مستثمرا في ذاكرة جماهيرية ما تزال تنظر إليه بوصفه الضحية.

مستدركة أن المعضلة الأعمق، تتجلى في أن الحزب لم يجب إلى اليوم على سؤال جوهري هل كان خروجه من الحكومة بسبب خيانة مبادئه، أم بسبب عدم قدرته على التكيف مع منطق الدولة؟ وهل يمكن فعلا لحزب عقائدي أن يصمد في تجربة حكومية في ظل واقع معقد ومركب كمغرب ما بعد 2011، دون أن يقدم تنازلات؟ أم أن الأزمة تتعلق بفهم السياسة نفسها، كفن للممكن، لا كمنصة للمزايدة الأخلاقية؟

ما يحدث داخل العدالة والتنمية اليوم، توضح الدراسة- هو تمرين حي في الفشل على الانتقال من حزب دعوي إلى حزب سياسي بالمعنى الكامل، فحين تتغلب المرجعية على البرنامج، وتنتصر الكاريزما على المؤسسة، فإن مصير التنظيم هو التفكك مهما كانت نواياه أو صدقيته. لهذا فإن خطاب التبرؤ من تجربة العثماني ليس سوى تمظهر خارجي الصراع داخلي أعمق، عنوانه غياب الوضوح في المشروع، والارتباك بين الدعوي والسياسي، وبين الإصلاح من داخل المؤسسات أو الهروب إلى منطق الضحية.

وأشارت إلى أن استدعاء بنكيران المتكرر الخطاب إنقاذ الدولة" أو تقديم التضحيات من أجلها"، لا يخلو من دلالة، فهو يريد أن يعيد تأطير العلاقة مع السلطة وفق منطق الندية المعنوية وكان الحزب كان دوما هو الضامن للاستقرار، أو أنه الطرف الذي تفضلت عليه الدولة ثم تخلت عنه. وهذا الخطاب، وإن كان يحقق له موقعا في السجال السياسي، إلا أنه يزيد من تعقيد علاقة الحزب بمحيطه، ويكرس صورة تنظيم يعيش على النوستالجيا، دون أن يقدم رؤية جديدة تعالج أسباب فشله البنيوي.

بهذا المعنى، تقول الدراسة:" لا يمكن تصور مستقبل للعدالة والتنمية خارج مراجعة جذرية، تبدأ من الاعتراف الجماعي بالمسؤولية عن الفشل، وتفكيك منطق الزعيم الأوحد، والانفتاح على فكر سياسي حداثي، يعيد تعريف العلاقة مع الدولة، لا باعتبارها طرفا فوقيا، بل باعتبارها مجال اشتغال ديمقراطي، يتطلب التناوب والتفاوض والممكنات، لا التبرؤ والإنكار.