في خضمّ التحوّلات الدولية المعقدة، تضع الولايات المتحدة الأمريكية جماعة الإخوان المسلمين تحت مجهر المراجعة الصارمة، في مسار يهدف إلى تصنيفها منظمة إرهابية، ليس باعتبارها مجرّد حركة دينية ـ سياسية، بل كجهاز عابر للحدود، ارتبط تاريخه وحاضره بإنتاج العنف، وتغذية التطرف، وزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.
بحيث تؤكد مجموعة من التقارير بأن جماعة الإخوان المسلمين تمول وتدعم مجموعات إرهابية، مما يشكل ذلك تهديدًا للأمن القومي الأمريكي وحلفائها.
وفي إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز استقرار المنطقة ومكافحة التطرف، يأتي قرار تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية ضمن خطوة هدفها التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في باقي الدول التي جعلت أنشطة هذه الجماعة محظورة داخل دائرة نفوذها.
وبالوقوف على العديد من التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية، يبرز المد الإخواني في المغرب كقوة سياسية واجتماعية تسعى إلى فرض نفسها كبديل عن المرجعية الدينية الأصيلة والتاريخية للمغاربة، وهي إمارة المؤمنين. فبعد القرار الأمريكي وتراجع حضور هذه الجماعة في مصر والشرق الأوسط، بدأت محاولة جماعة الإخوان المسلمون النفاذ داخل نسيج المجتمع المغربي وفق خطوات محسوبة مبنية على استغلال المناخ العام بالإضافة إلى الأحداث الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم المعاصر.
لأن منظمة الإخوان المسلمون، باعتبارهم جماعة سياسية دينية والتي بدأ تاريخ نشأتها في مصر في العشرينيات من القرن الماضي، لها تاريخ طويل من العمل السياسي والاجتماعي في المنطقة. لكن، بعد الثورات العربية في عام 2011، شهدت الجماعة صعودًا ملحوظًا في بعض الدول العربية، لكنها واجهت أيضًا تحديات كبيرة وتراجعًا في حضورها في بعض البلدان الأخرى.
أما على مستوى المغرب، فإن محاولة جماعة الإخوان المسلمون النفاذ إلى المجتمع تتجسد من خلال استراتجيات محسوبة مستغلة بذلك التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضمن الفضاء العام وكذلك الاستغلال المفرط الذي تقوم به في التعامل مع الأحداث الإقليمية والدولية، كما يظهرون أنفسهم كقوة سياسية واجتماعية تسعى إلى تعزيز القيم الإسلامية والعمل الخيري، غير أنه في الواقع يسعون إلى تجاوز الثوابت الدستورية والدينية التي تمثلها مؤسسة إمارة المؤمنين.
إن هذا المد الإخواني في المغرب يطرح مجموعة من التحديات الكبيرة للنموذج المغربي الفريد، الذي يقوم على الارتباط بين الشعب والعرش والوحدة الروحية والدينية وفق المرجعية التاريخية لمؤسسة إمارة المؤمنين، الأمر الذي يتطلب بلورة استراتيجيات متعددة الأبعاد لمواجهة هذه التحديات، تشمل اليقظة الأمنية بالأساس وتعزيز الخطاب الديني الوسطي ونشر الوعي المجتمعي في إطار روحي وديني مجتمعي متكامل الأركان.
فمن جانب اليقظة الأمنية، والتي تعتبر أحد الأركان الرئيسية لمواجهة المد الإخواني في المغرب، بحيث تحتاج السلطات المغربية إلى تتبع دقيق لنشاطات الإخوان ورصد تحركاتهم، لمنع أي محاولة لتجاوز الثوابت الدستورية والدينية.
بينما في الشأن المرتبط بتعزيز الخطاب الديني الوسطي الذي يعد جانبا مهما من جوانب مواجهة المد الإخواني، فالأمر يحتاج إلى تعزيز قيم الوسطية والاعتدال ونشر القيم الدينية الصحيحة والمبادئ الحقة، وفق النموذج الديني المغربي السمح المعتدل القائم على أركان مؤسسة إمارة المؤمنين بهدف منع انتشار الأفكار المتطرفة والمتشددة وخطاب العنف.
أما فيما يخص نشر الوعي المجتمعي والذي يعد ركنا أساسيا في مواجهة المد الإخواني، فالأمر يتطلب هنا وضع أسس التوعية لدى المواطنين بخطورة الأجندات الخارجية والمخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية والروحية، وفق مقاربة تعتمد على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الصحافة والإعلام والتكنولوجيا الحديثة.
وتبعا لذلك، يظل المغرب، بفضل تماسك جبهته الداخلية وارتباط شعبه بعرشه ووحدته الروحية تحت لواء مؤسسة إمارة المؤمنين، قادرا على مواجهة ومجابهة التحديات والتهديدات التي يطرحها المد الإخواني. فمن خلال العمل المشترك واليقظة الدائمة، يمكن للمغرب أن يحافظ على استقراره وتماسكه ويضمن استمرارية نموذجه الفريد داخل الوطن وخارجه.
وعليه، فإذا كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية يروم نحو تصنيف جماعة الإخوان المسلمون كالتزام أمريكي يرتكز على تعزيز الأمن القومي وحماية المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها. فإن المغرب شأنه في ذلك شأن الولايات المتحدة الأمريكية في حفظ مصالح الدولة وتعزيز الأمن القومي وبالتالي فالتصدي لجماعة الإخوان المسلمين والانخراط في منع أنشطتها وتصنيفها جماعة إرهابية تعتبر خطوة تتناسب مع الشريك الاستراتيجي والتحالف التاريخي المغربي الأمريكي.