محمد الغيث ماء العينين: حول قضية ابتسام لشكر ومسألة حرية التعبير وسيادة القانون

محمد الغيث ماء العينين: حول قضية ابتسام لشكر ومسألة حرية التعبير وسيادة القانون محمد الغيث ماء العينين
النقاش الدائر حول ابتسام لشكر لا ينبغي أن يُختزل في ثنائية سطحية بين “حرية التعبير” و”حماية المقدسات”، بل يجب أن يُضبط ضمن إطار أعمق وأدق، هو سيادة القانون، وضرورة ترك مساحة للقضاء لممارسة اختصاصه كاملاً، بما في ذلك إمكانية الاجتهاد لتأويل النصوص في ضوء الواقع المجتمعي.
 
من حيث المبدأ، لا يمكن المطالبة بتعليق تطبيق القانون بدعوى أن الفعل يدخل في باب حرية التعبير، لأن ذلك يُنتج نتيجتين بالغتي الخطورة:
 • الأولى هي خلق استثناء شخصي لصاحبة الفعل، يمنحها امتيازًا خاصًا على أساس هويتها أو خطابها أو موقعها الرمزي.
 • والثانية هي تكريس سابقة تضعف هيبة القانون، وتفتح الباب أمام فوضى معيارية تجعل تطبيق النصوص خاضعًا للمزاج أو التأويل الانتقائي، وهو ما يُقوّض الثقة في المنظومة القانونية برمّتها.
 
نعم، من حق أي فاعل أن يختار سبيل النضال، ولو عبر خرق متعمد للنصوص القانونية بهدف إثارة النقاش أو الدفع نحو تغيير القوانين أو الذهنيات، فهذا جزء من تراث النضال الحقوقي عالميًا. لكن من يختار هذا المسار، عليه أن يكون مستعدًا لتحمّل كلفته القانونية، وألا يطالب بإبطال العمل بالقانون في حالته، لأن ذلك يحوّل النضال إلى امتياز شخصي بدل أن يكون التزامًا مبدئيًا.
 
ومع ذلك، لا يمكن حصر النقاش في المسألة القانونية وحدها، دون الالتفات إلى السياق المجتمعي. لأن من يتعمّد مواجهة قانون سائد، فهو لا يواجه نصًا جامدًا فقط، بل يواجه في حالات معينة إجماعًا وجدانيًا راسخًا داخل المجتمع. وفي حالة المغرب، حين يتعلق الأمر بـ الدين الإسلامي، فإن المسألة تتجاوز حدود حرية التدين أو الإلحاد أو التعبير الفلسفي، إلى استفزاز صريح لمشاعر الأغلبية الساحقة من المواطنين، وجرح وجداني لا يُستهان به.
 
وإذا كان مضمون ما كُتب على القميص يُفهم لدى البعض كخطاب رمزي حول البُعد الذكوري في تمثلات الخالق في الثقافات الغربية، فإن نقله بتلك الصيغة إلى السياق المغربي لا يُقرأ بنفس الطريقة، بل يُفهم – في عين الناس – باعتباره سبًّا مباشرًا للذات الإلهية، وهو أمر لا يُستفَز منه الإسلاميون وحدهم، بل عامة الناس، بمختلف مستويات تدينهم.
 
في مثل هذه الحالات، لا يتعلق الأمر بحرية رأي فقط، بل أيضًا باحتمال إلحاق ضرر نفسي ومعنوي جسيم بملايين المواطنين، بل وحتى المساس بالأمن العام، من خلال إثارة الغضب الشعبي، أو دفع بعض ضعاف العقول إلى ردود فعل لا يمكن التحكم فيها. وهذا بحد ذاته مدخل قانوني آخر يمكن أن يُؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير خطورة الفعل.
 
الخلاصة:
حرية التعبير لا تُحمى بتعطيل القانون، بل بإفساح المجال للقضاء لاجتهاده الطبيعي. ومن يختار مواجهة القانون أو المجتمع باسم النضال، لا يمكن أن يطالب بإعفاء خاص من تبعات فعله. فالمطالبة بالإفلات من العقوبة ليست نضالًا، بل سعيٌ إلى الامتياز. أما النضال الحقيقي، فهو الذي يَقبل الكلفة، ويحولها إلى رافعة لتغيير عميق، عبر المؤسسات، لا على حسابها.