بنجلون: النقيب الجامعي والرميد.. قصة جبلين شامخين يصنعان تاريخ الدفاع عن الحقوق 

بنجلون: النقيب الجامعي والرميد.. قصة جبلين شامخين يصنعان تاريخ الدفاع عن الحقوق  عمر محمود بنجلون
 جبلان شامخان نابعان من رسالة الدفاع أعطوا للعدالة معنى في المغرب، الأول الرئيس النقيب عبد الرحيم الجامعي من أهرامات المحاماة والحركة الحقوقية والتقدمية المغربية، والثاني الأستاذ مصطفى الرميد من الأطر الكبرى للحركة الإسلامية المغربية وزير العدل والحريات الأسبق. 
جبلان يلتقيان في حب المغرب ونظامه الدستوري وكرامة الشعب المغربي وسمو العدالة كأساس المُلك وجوهر السلطة.. وفي تكريم البدلة السوداء وقت دفاعهما على الحق أمام محاكم المملكة المغربية وخارجها. 
جبلان قد يفترقان في تنزيل مرجعيتهما وأيديولوجيتهما المتعلقة بمكانة الدين في تأطير الحياة العامة للدولة والمجتمع، يجعل من تعبير منعزل لا يهز عرش الرحمان أرضيةً لجدلية صامتة حفزها برقي كبير قامتين مهنيتين من خلال اللغة والحجة القانونية والانتصار إلى المرجعية الفكرية الرئيسية لكل واحد منهما. 
لكن.. وبغض النظر عن المحتوى البئيس الذي اقترفته المؤثرة المعلومة باسم الدين واللادين في آن، نؤكد على أسفنا لحال أمتنا التي تتعبأ لاستفزازات الأوساط الاستخباراتية التي تنشر رسوم الرسول الكريم في الدنمارك وتحرق القرآن الكريم في السويد وتكتب عشوائيات في الأقمصة والجدران لتحجب التناقضات الرئيسة التي تعيشها أوطاننا من استعمار وفتن وظلم. 
وقائع منعزلة تجعل البعض يتلصص بالبعض الآخر وتتربص أقلية بأخرى أقل منها لاغتنام فرص التغريدات الإلحادية من أجل ضرب حركة سياسية ومجتمعية استمدت مشروعيتها من الحركة الوطنية والفعل المقاوم والمناضل ضد الاستعمار والاستبداد والرصاص في المغرب وخارجه لمَّا كان الطرف الآخر متعاون مع أذناب الاستعمار والصهيونية والدكتاتورية متماديا في تخدير ممنهج للمجتمع من أجل إبعاده من العدالة والكرامة والعيش الكريم من خلال إلصاق تهمة "الإلحاد" باليسار الوطني وريث حركة التحرر الشعبية المغربية والإسلامية والرموز الوطنية كعبد الكريم الخطابي وشيخ الاسلام بلعربي العلوي وغيرهما، وتوزيع الأوسمة على اليسار واليمين وما هو إسلامي واشتراكي وليبرالي ومحافظ دون أدنى مشروعية علمية أو نضالية أو سياسية أو حتى مهنية. 
على بعد سنة من الانتخابات، أعطت ابتسام لشكر المدعوة (بيتي) بطريقة تلقائية أو بتوجيه من وسط معين، هدية ثمينة للحركة الإسلامية الانتخابية من أجل الركوب على ملف الأمن الديني لإقناع المقاطعين والرافضين والمحبطين بإعادة التصويت عليها بالرغم من كل ما يمكن قوله علميا وسياسيا واقتصاديا في تجربتها الحكومية التي دامت عشر سنوات وختمتها مسكا باتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني المتسبب في إبادة الشعب الفلسطيني على مرآى المجتمع الدولي.. لعل العودة للأصل أصلا، كما أنها أحرجت الدولة المغربية في صلاحياتها الدينية بفعلها المتضخم إعلاميا وبفعل المزايدة السياسية على حكامة الحقل الديني، كما أعطت لأعداء الحركة الوطنية و رافدها الاشتراكي الفرصة السانحة لإخراج سلاح الإلحاد في وجه اليسار و ذلك بإلصاق و إنساب الفعل و الفاعل للحركة اليسارية المغربية. 
هذا الحدث البئيس العابر الذي يستحق من جهة الجدلية الراقية التي فجرها ايقونات البدلة السوداء السيد النقيب الجامعي و الاستاذ الرميد ولا يستحق من جهة أخرى وضع يد العدالة عليه، يذكر بذاك الحدث الإيطالي المعروف باغتيال رئيس الوزراء ألدو مورو من طرف "الفرق الحمراء" الإيطالية المنتسبة للعنف الثوري الشيوعي، سَنَة على الانتخابات البرلمانية الإيطالية التي كادت تحسم لفائدة الحزب الشيوعي الإيطالي لولا هاته الجريمة المفاجئة. سيكتشف المؤرخون فيما بعد على أن "الفرق الحمراء" الإيطالية مولتها المخابرات الأمريكية بطريقة غير مباشرة من أجل القيام بتلك الجريمة لنسف مشروعية الحزب الشيوعي الإيطالي الذي هدد بطرد القواعد الأمريكية المتواجدة في صقلية و المدينة الرومانية الاثرية بومبييي. 
النقيب الجامعي حامل لفكر الانوار والاستاذ الرميد لفكر السيد قطب المتأثر بالفكر الماركسي عند تحليلنا لاصداراته ك "معالم في الطريق" وغيرها، وكلاهما مرجعان سياسي وحقوقي ومهني نفخر بهما اتفقنا ام اختلفنا معهما ... و لن نقبل ان يكون تعبيرا طائشا سببا في ابتعادنا عن قضايانا الجوهرية أو سببا في تمزيق نسيجنا و وحدة صفنا المهني أو في الضغط الغير السليم على دولتنا و عدالتنا. 
ذكريات مع الهرمين المهنيين لا علاقة لها بما سبق و بعيدة عن الملاحم القضائية و البطولات الترافعية والتجارب المتواضعة معهما : 
- 20 فبراير 2011 نصادف الاستاذ الرميد و الفقيد ميلود الشعبي في باب الاحد بالرباط. سأحاول استفزاز هذا البرلماني الصنديد "أ تتظاهر دون موافقة الحزب ؟" ليكون جوابه "ان لم تتحقق المطالب الدستورية سنطلع انا وياك للجبل و إن تحققت سأكون أكبر بلطجي للنظام" ضحكنا و استحضرنا محمد عابد الجابري واشتبكت ذراعانا اليسرى و اليمنى لنمشي سويا في شارع الحسن الثاني. 
- بداية الثمانينات من القرن الماضي كان والدي الفقيد أحمد بنجلون "دخل/خرج" سجن لعلو الشهير الذي تحول اليوم إلى متحف عسكري في خضم الإنصاف و المصالحة و حكومة التناوب و العهد الجديد، بمناسبة احداث 08 مايو 1983 أو الإضراب العام لسنة 1981. في فترات الاعتقال أو الاختطاف تلك كان النقيب الجامعي هو من ينقلني أحيانا إلى المدرسة الابتدائية رفقة أبنائه بسيارته العظيمة آنداك فياط 127 و المذياع ينقل احداث معركة كلتة زمور بين الجيش الملكي والجبهة الانفصالية أو الحرب الأهلية في السودان.