سعيد بدر: تنغير أرض الإمكانات.. معا نصنع المستحيل

سعيد بدر: تنغير أرض الإمكانات.. معا نصنع المستحيل سعيد بدر
في إقليم تنغير، حيث تتنفس الجبال هواء الحرية وتروي الأودية حكايات الأجداد، ينبض كل دوار وحي بأصداء الحلم والأمل والطموح، لكن بين هذه الصخور الصامدة والسماء الواسعة، نرى مشهدا مركبا تتشابك فيه التحديات مع الفرص، وتختلط فيه الأحلام بالواقع.

في قلب هذا المشهد، يأتي هذا المقال كدعوة صادقة منا، نحن أبناء الواحات وأبناء تنغير، لنجتمع على رؤية واحدة: أن نصوغ حلولا من داخل الإقليم، لا أن ننتظر من يكتب مستقبلنا من بعيد. حافزنا الأسمى هو شغفنا برؤية إقليمنا مزدهرا، محررا من القيود التي تكبّل مسار تنميته.

منذ عقود، شكلت تنغير خزانا بشريا ومجالا حيويا لليد العاملة التي تبني اقتصاد مناطق أخرى، لكن بالمقابل لم تحظَ بما يكفي من استثمارات استراتيجية تغيّر وجهها. واليوم، نتوجه إلى الفاعلين الكبار، من مؤسسات عمومية وشركات وطنية ومجالس منتخبة، لا لنوجّه النقد من أجل النقد، بل لنطالب بإعادة النظر في مستوى انخراطهم في التنمية المجتمعية، لتكون جزءاً من رؤية أوسع وأكثر استدامة للإقليم.

فعندما ننظر إلى نجاحات مشاريع عملاقة في جهات أخرى — جامعات عصرية، مناطق صناعية متخصصة، مدن خضراء، مركبات سياحية كبرى — ندرك أن المسألة ليست مسألة موارد، بل مسألة إرادة… إرادة في أن تنغير تستحق.

عندما نرى استثمارات بمليارات الدراهم في البنية التحتية والسياحة بمراكش وأكادير، ندرك أن الأمر قرار متعمّد.

وعندما نرى مئات الهكتارات المجهزة لمناطق صناعية في مدن مثل القنيطرة وطنجة، نعرف أن الأولويات لم ترتب لصالح تنغير.

وعندما نرى مؤسسات تمويل ومواكبة المقاولات تدشن في مدن بعيدة، بينما شباب تنغير يبحثون عن فرصة لدخول السوق بأفكارهم ومشاريعهم، نفهم المعنى.

وعندما تطلق مبادرات اجتماعية وثقافية، على محدودية أثرها، دون سقف واضح للإنفاق أو رؤية بعيدة المدى، ثم تظل مجهودات الأفراد والجمعيات المحلية بلا دعم مستدام، نعرف أن الإقليم ما زال في قائمة الانتظار.

في أقل من 15 سنة، استطاعت مناطق شبيهة بتضاريس تنغير — مثل ورزازات وزاكورة — أن تستقطب مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والسينما والسياحة الإيكولوجية، بينما تنغير، رغم إمكاناتها الطبيعية والبشرية، لم تحظ بمشاريع تحويلية على المستوى نفسه.

كنا نود أن نرى المسؤولين الكبار ليس فقط منفذين لبرامج مركزية، بل أيضاً قادة اجتماعيين وزعماء تنمية، يربطون قوة المؤسسات بازدهار المناطق التي تحتضن ثرواتها الطبيعية والبشرية.

لكن الواقع يطرح أسئلة حادة:

كيف تبقى نسب البطالة مرتفعة، رغم توفر آلاف الهكتارات القابلة للاستصلاح الزراعي، ومؤهلات سياحية نادرة عالمياً؟

كيف يغيب مشروع منطقة صناعية أو فلاحية متكاملة، رغم توفر الأراضي وإمكانية الحصول على تمويلات من الدولة والمانحين؟

كيف تبقى مناطق سياحية واعدة مثل مضايق دادس و إمكون وتودغى وواحة دادس مكون و تودغى ...شبه منسية من الاستثمار السياحي المؤسسي؟

كيف تبقى عشرات المشاريع المتوقفة أو المؤجلة في قطاع الطرق والبنية التحتية، رغم أنها مفتاح لجذب الاستثمار؟

كيف لمراكز التكوين المهني أن تعمل بطاقات منخفضة، أو بدون تخصصات تواكب حاجيات السوق المحلي؟

كيف تستمر ظاهرة الهجرة نحو مدن الشمال والوسط، بينما يمكن خلق فرص عمل محلية مستدامة؟

كيف لمئات الهكتارات داخل النسيج الحضري أن تبقى مهملة، بدلاً من تحويلها إلى أحياء سكنية حديثة أو مشاريع اقتصادية واجتماعية؟

كيف يبقى ملف تثمين المنتوجات المحلية — كالزعفران، والتمور، والحرف اليدوية — رهين مبادرات موسمية صغيرة؟

أليس النموذج التنموي الجديد، الذي صادق عليه جلالة الملك، يدعو إلى توزيع عادل للاستثمار بين الجهات، وإعطاء الأولوية للمناطق المهمشة تاريخياً؟

لكن ما نراه هو أن غياب رؤية مندمجة، وتحكم الإيغوسيستم (منظومة الأنا والمصالح الشخصية)، والكاكستوقراطية (تولي الأقل كفاءة زمام الأمور)، أدّى إلى بيئة مغلقة، تكبح الطاقات وتمنع أي قفزة نوعية.

إن حلمنا هو أن يكون لكل مواطن في تنغير دور في نهضتها، وأن نضع معاً مرجعية تنموية واضحة وخيارات استراتيجية مشتركة. حان وقت تحويل الحلم إلى فعل، وضخّ دماء جديدة في المجتمع، وبناء تنغير قوية، نابضة بالحياة، قادرة على الصمود لأجيال الغد.

معاً، وبإصرار والتزام، نستطيع تجاوز التحديات. حان وقت خلق تنغير التي نحلم بها.