وفي المقابل، لا يخلو المشهد من تناقضات صارخة تكشف أن عالم الإعلام الرياضي ليس بريئاً من الحسابات الضيقة والأهواء الخفية. ففي إسبانيا، وعبر منبر جريدة ماركا، جرى الحديث عن أن حكيمي "ربح أول معركة من معارك الكرة الذهبية" في إشارة إلى التصويت الجماهيري، وكأن الأمر يحتاج لتأويل سياسي أو تحجيم ضمني لقيمته، بينما في الواقع نحن أمام لاعب يحسم المباريات بأدائه، لا بالتصويت وحده. لكن ما هو لافت أن نفس هذه المنابر التي تتغنى بموهبته، تعود في لحظة لتغمس الحقيقة في مياه فاترة من التحفظ، وكأن الاعتراف الكامل بحكيمي يحتاج إلى إذن غير مكتوب من سلطة ما في كواليس الكرة الأوروبية.
أما المشهد الأكثر انكشافاً لوجه النفاق الإعلامي فكان حين حوّل أحد المعلقين — الذي ينتمي جزافاً إلى نفس العرق أو الإثنية — المباراة إلى ساحة لتصفية حسابات شخصية، مُستحضراً عنوةً علاقة حكيمي برئيس النادي ناصر الخليفي، وكأن هذه التوترات المفترضة أحق بأن تتصدر التعليق على مباراة كرة قدم، بدل التركيز على الإبداع الكروي الذي يصنع الفارق على أرضية الملعب. هنا نلمس الانحراف الأخلاقي للممارسة الإعلامية، حين تصبح المنصة الصوتية وسيلة للثأر الشخصي أو تصريف المواقف المبطنة، لا لنقل الحقيقة الرياضية.
وجاءت تصريحات عصام الشوالي لتكمل لوحة الانحياز الفج، حين تحدث، بكل ما تحمله الكلمة من قسوة، عن أن المنافسة على الكرة الذهبية ستكون بين لامين يامال وديمبيلي، متجاهلاً تماماً القيمة المضافة التي يقدمها حكيمي في كل مباراة، وكأن إنجازاته في باريس سان جيرمان، أو بصماته مع المنتخب المغربي في كأس العالم، لم تكن إلا أحداثاً عابرة بلا وزن. هذا التجاهل لا يمكن قراءته إلا باعتباره جزءاً من بنية إعلامية إقصائية، تحاول حصر الألقاب والجوائز في دائرة ضيقة من الأسماء، حتى وإن كان الواقع الرياضي يصرخ بغير ذلك.
إن قدر المغرب والمغاربة، كما أثبتت هذه الوقائع، أن يظلوا في فضاء جغرافي مليء بالنفاق والشقاق، حيث تُمارس الازدواجية الإعلامية بلا خجل: إطراء في الغرب حين تفرض النتائج الاعتراف، وتقليل في الشرق حين تتصادم المواقف مع الحساسيات العرقية أو الحسابات السياسية. لكن ما يغفل عنه هؤلاء جميعاً هو أن موهبة حقيقية بحجم حكيمي لا تُقاس بمدى ما يُقال عنها، بل بمدى ما تفرضه على أرض الملعب من احترام وإعجاب.
أشرف حكيمي ليس مجرد مدافع يصد الهجمات، بل هو صانع أبطال في باريس سان جيرمان. كثير من لحظات الحسم في مباريات النادي الفرنسي تحمل توقيعه، سواء بتمريرة قاتلة تفتح الطريق لهدف، أو بانطلاقة خاطفة تربك الدفاعات، أو حتى بروح قتالية ترفع منسوب الثقة لدى زملائه. إنه لاعب لا يكتفي بأداء وظيفته، بل يخلق الظروف ليتألق الآخرون، وهذه ميزة لا يملكها إلا القلة من نجوم الكرة.
التحليل النقدي لهذه الحملة الإعلامية على حكيمي يكشف أنها ليست مجرد اختلاف في الرأي حول الأفضلية، بل هي جزء من معركة رمزية حول من يحق له أن يكون في صدارة المشهد الكروي العالمي. الإعلام الرياضي، خاصة حين يلتقي مع الحسابات الاقتصادية والسياسية، يميل إلى إعادة إنتاج نفس الأسماء، والحفاظ على هالة حول نجوم معينين، بينما يتم تجاهل أو تهميش لاعبين قادمين من فضاءات جغرافية أو ثقافية لا تدخل في المنظومة التقليدية لصناعة "الأيقونات" الكروية.
لكن التاريخ الرياضي يعلمنا أن الموهبة الحقيقية لا تُخنق بسهولة. من جورج ويا إلى لوكا مودريتش، هناك دائماً لاعبون اخترقوا الحواجز ليحصدوا الكرة الذهبية رغم أن الإعلام لم يكن يضعهم في خانة المرشحين الأوائل. وحكيمي، بما يملكه من مهارة، وانضباط، وحضور ذهني، قادر على أن يسلك نفس الطريق، ليس بفضل التصويت الجماهيري فقط، بل بفضل ما يفرضه على الخصوم من احترام على المستطيل الأخضر.
إن محاولة تقزيم حكيمي أو تجاهله في النقاشات الكبرى حول الكرة الذهبية ليست سوى فصل من فصول معركة أوسع يخوضها اللاعب، ووراءه جمهور واسع يقدّر موهبته ويؤمن بأحقيته. هذه المعركة ليست بينه وبين لامين يامال أو ديمبيلي أو غيرهما، بل هي بين منطق الموهبة ومنطق التحجيم الإعلامي. وإذا كانت الكرة الذهبية هي اعتراف بموهبة استثنائية، فإن حكيمي اليوم، بما يقدمه من أداء ثابت ومؤثر، يجسد تماماً معنى هذا الاعتراف، ويستحق أن يُتوَّج به، شاءت المنابر المتحاملة أم أبت