سعيد ودغيري حسني: المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة

سعيد ودغيري حسني: المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة سعيد ودغيري حسني
حين تسكت المدافع لحظة
وحين يعلو أنين المصابين على ضجيج البيانات
وحين تُصبح النشرات خبزًا باردًا لا يُطعم الجائع
ينهض المغرب
ليس بحنجرة
ولا بشعارات ترفرف فوق المنابر
بل بخُطى ثابتة كمن يعرف الطريق في الظلام
ويأخذ معه شمعة لا ميكروفون

من الرباط إلى غزة
من قصرٍ ملكيّ تُكتب فيه قرارات من نور
إلى خيامٍ ممزقة تُنسج فيها قصائد الصمود
تحرّكت الطائرات
تشقّ السماء لا لتستعرض
بل لتوصل ما لا يمكن للغضب أن يوصله
الدواء
الغطاء
الكسرة التي لا تنكسر في يد يتيمة

قالوا: المغرب طبّع
فقالت الطائرات: بل المغرب طبّب
قالوا: خان القضية
فردّت الخيام التي وُزّعت على نازحي رفح
وقالت: بل المغرب آوى حين أوصد العالم الأبواب
قالوا وقالوا
لكن غزة لا تأكل التحليل
ولا تلبس الرأي
بل تحتاج الحليب لأطفالها
والضماد لجروحها
والدعم لمن يصمد

من فوق خرائط النفاق العربي
كان المغرب دائمًا استثناء
يمشي وحيدًا أحيانًا
لكنّ خطاه لا تخون الأرض
ولا تنسى العهد

أيها الذين تصرخون من أبراجكم وتكتبون بمداد الغضب
أيها الذين تسألون عن شرف الشعوب كما لو أنه يُمنح في لجان إلكترونية
اقرؤوا التاريخ
واسألوا باب المغاربة
واسألوا محراب الأقصى
واسألوا تراب القدس
من حفر الأساسات؟
من جلب الحجارة على ظهور الجمال؟
من شيّد الجامع ومن وزّع الماء على الزوّار؟

ذاك المغرب الذي تُشككون في نواياه
هو نفسه الذي وقف في الأمم المتحدة ليقول
القدس خط أحمر
وغزة جرح في القلب
وفلسطين ليست نشرة جوية نُغيّر رأينا فيها بحسب الرياح

وإن كان لا بد من موقف
فالمغرب لم يطبع مع الظلم
بل طبّع مع الحياة
لم يصافح يدًا ملوثة بالدم
بل صافح معابر مغلقة
واخترقها بطائرات تنقل الرحمة لا الرسائل الرمادية

ثمّ
هل سألتم أنفسكم يومًا: من يُطبع مع الموت حين يترك غزة تحترق؟
من يكتفي بالبكاء أمام الشاشات بينما تُبنى الجسور من الرباط؟
من يُزايد وهو يُنظّر من وراء مكتبه بينما تُحمّل الطائرات بالحب والدعاء؟

نحن لا نخاف من أن نُنتقد
لكننا نخشى أن نُجامل حين تُزهق الأرواح
ولا وقت لدينا لنجادل في غرف مغلقة
بينما المخيمات مفتوحة على السماء دون غطاء

حين يقرر الملك محمد السادس إرسال طائرات عسكرية محمّلة بـ180 طنًّا من المساعدات إلى غزة
فهو لا يطلب التصفيق
ولا يخطط لمؤتمر صحفي
بل يقول للطفل الجائع هناك: أنت لست وحدك
وللأم المكلومة: هناك وطن عربي واحد ما زال يتذكر

وغزة
غزة لا تحتاج لأبطال افتراضيين
بل لقلوب تمشي على الأرض
تحمل معها خبزًا لا خطابًا
حليبًا لا مواقف جاهزة
دفئًا لا بيانات

في ذلك اليوم
يُصبح المغرب جسرًا
لا بين مطارين فقط
بل بين الكرامة والحياة
بين القلب العربي والعين الفلسطينية

وغدًا
حين تهدأ العاصفة
وتُعيد غزة ترميم أبوابها
ستكتب على جدرانها
مرّت من هنا طائرات مغربية
حملت معنا الضوء في زمن الظلام..