عبد الحي السملالي: ليس دفاعًا عن الوزير… بل تفكيكًا لمنطق المقال هفوات الواقعية والمنهج في مقاربة الدكتور الريسوني

عبد الحي السملالي: ليس دفاعًا عن الوزير… بل تفكيكًا لمنطق المقال  هفوات الواقعية والمنهج في مقاربة الدكتور الريسوني عبد الحي السملالي
مقال الدكتور أحمد الريسوني حول وزارة الأوقاف المغربية يُثير جدلًا معرفيًا أكثر مما يقدم تحليلًا مؤسساتيًا دقيقًا. هذه المداخلة لا تهدف إلى الدفاع عن الوزير، بل تسعى إلى تفكيك منطق المقال عبر قراءة نقدية تُبرز الانزياحات المفهومية، غياب التعليل القانوني، والتوظيف الأخلاقي المُفرط للخطاب النقدي.

مدخل مفهومي: الحجاج ليس مناصرة
بين الدفاع والمساءلة، مسافة معرفية لا يجوز طمسها. ليس كل تحليل مؤسسي اصطفافًا، كما أن ليس كل تفكيك تبريرًا. غاية هذا المقال هي تقويم الخطاب، لا الترويج للقرار، ولا الاصطفاف مع أي جهة رسمية أو شخصية.

أولًا: أخطاء قانونية ومؤسساتية

* الخلط بين “العزل” و”الإعفاء”

استخدم الريسوني مصطلح “عزل” بينما القرار الرسمي تحدث عن “إعفاء من مهمة”، وهو فرق دلالي وقانوني كبير. فالإعفاء إجراء إداري يتعلق بانتهاء تكليف ضمن ولاية تنظيمية، ولا يعني إنهاء الصفة أو الطرد.

* طبيعة المهمة: تكليف لا وظيفة
من المهم التوضيح أن رئاسة المجلس العلمي المحلي ليست وظيفة دائمة أو تعاقدية، وإنما مهمة بتكليف صريح من الوزير، يُمكن أن يُسحب في أي وقت، وبلا حاجة إلى تعليل إلزامي أو مسطرة شبه قضائية. وهذا النوع من المهام لا يخضع لقانون الشغل أو نظام الوظيفة العمومية، بل تحكمه مقتضيات الظهير الشريف 1.03.300، الذي يمنح الوزير صلاحية التعيين والإعفاء دون شرط التبرير ما دام الأمر لا يندرج ضمن عقوبة تأديبية. إن توصيف الإعفاء باعتباره “عزلًا تعسفيًا” يُظهر خلطًا بين المفاهيم المهنية والمفاهيم التكليفية، ويُسقط منطق التعاقد على بنية قانونية مختلفة.

* تجاهل مقتضى الظهير الشريف
الوزير استند إلى الظهير الشريف رقم 1.03.300، الذي يمنحه صلاحية تعيين وإعفاء رؤساء المجالس العلمية. الإشارة إلى “استفراد بالقرار” تتجاهل أن الظهير نفسه ينص على هذا الاختصاص، لا بوصفه اجتهادًا شخصيًا بل تفويضًا مؤسساتيًا.

* مغالطة تفسير تصريح بن حمزة
اعتبار تصريح رئيس المجلس الجهوي متناقضًا مع نص القرار فيه تجاهل لبنية المؤسسات الدينية التي تسمح للمجلس الأعلى بإبداء رأي، دون أن يسلب الوزير سلطة اتخاذ القرار. فهناك تداخل طبيعي لا تناقض إجرائي.

ثانيًا: خلل مفهومي ومنطقي

* إقحام مفاهيم غير منضبطة
إدخال مفاهيم مثل “الانتقال الديمقراطي” و”دول نامية” لتوصيف وزارة الأوقاف يعكس خلطًا بين السياسة العامة والوظيفة الدينية. الوزارة ليست فاعلًا سياسيًا يُقاس بمؤشرات الديمقراطية، بل جهاز تأطيري روحي يُقيّم بمرجعيته ومسؤوليته المجتمعية.

* انفعال بلاغي على حساب الحجاج المؤسسي
تعابير مثل “الغموض الخلاق” أو “التخلف المقدس” تُدخل المقال في دائرة التأثيم الرمزي بدل التحليل الموضوعي، وتُضعف جدية المقاربة النقدية في نظر قارئ يبحث عن إصلاح لا عن غضب.

ثالثًا: ضعف التوثيق وانعدام التحليل المقارن

* عدم ذكر مواد تنظيمية محددة
رغم انتقاده لغياب التعليل القانوني في قرار الوزير، لم يذكر الريسوني بنفسه رقم المادة أو الفقرة التي يُفترض أن تستند إليها ملاحظاته. هذا يكرّر ما يُنتقد، ويُضعف حجية الاعتراض.

* غياب نماذج من مؤسسات أخرى
يدّعي الكاتب أن هذا النوع من الإعفاء لم يعد موجودًا في مؤسسات أخرى، لكنه لا يقدم مثالًا أو مرجعًا واحدًا يُثبت هذه الدعوى، مما يجعلها تعميمًا غير مؤسس.

خاتمة تأصيلية
بين رغبته في الإصلاح، وانزياحه نحو الإدانة، يظل مقال الريسوني أقرب إلى الخطاب منه إلى التحليل. فإذا كان الهدف تجديد بنية المؤسسات الدينية، فالواجب أن يُستند إلى نقد معرفي لا إلى شجب أخلاقي. فالتحيين، كما أكدنا في أطروحات سابقة، لا يكون بإدانة الشخص، بل بإعادة بناء المعقولية نفسها.