آلاف الأطفال المغاربة المصابين بداء السكري يعيشون على وقع حقن يومية متعددة بالأنسولين مدى الحياة .
ومع أن حياتهم يمكن أن تتحسّن بشكل كبير بفضل مضخات الأنسولين، إلا أن هذه التقنية لا تزال بعيدة المنال
ثمنها باهظ، يتراوح بين 40 ألف و60 ألف درهم، مع تكاليف شهرية تصل إلى 1000 درهم لتأمين المستلزمات الاستهلاكية.
وما يزيد من عمق الجرح: غياب أي تغطية من طرف صناديق التأمين الصحي والتعاضديات .
هذه القصة ليست مجرد سرد لحالة، بل نداء إنساني من أجل تحسين الحياة اليومية لآلاف الأطفال المغاربة المصابين بالسكري.
في مملكةٍ تطلّ على شمس الأطلس وتتنفّس هواء الأطلسي، وتدعى المغرب، وُلد آلاف الأطفال يحملون بين ضلوعهم عدوّاً خفياً لا ينام.
اسمه: داء السكّري.
لم يكن موتاً، لكنه كان نقيض الحياة المريحة.
لم يكن سيفاً، لكنه كان وخزاً لا ينتهي.
وكان من بين هؤلاء الأطفال، طفل يُدعى نادر.
ولد نادر ذات شتاء من عام 2020، في مدينة يتعب فيها الحلم من المشي، ويحاصر الأملَ فيها ثُقلُ الحاجة، وعنادُ المصروف.
كان نادر يملك عينين عميقتين كالبحر،
عيني طفلٍ رأى الكثير، دون أن يعيش طويلاً.
ومنذ فجره الأول، التصق به ضيف ثقيل، يزوره كل ساعة، يوقظه كل ليل، ويرسم على جسده آثار الإبر...
فكان يُحقن صباحاً، ثم ظهراً، ثم مساءً، ثم إذا ما غفت النجوم، عادت الإبرة لتغرس فيه نداء البقاء.
بطنه الصغير، وذراعاه النحيلتان، وفخذاه الطريّان، تحوّلوا إلى حقولٍ لغرس الحياة.
لكن بأي ثمن؟
ثمن الألم الصامت، والطفولة المتألمة.
ولم يعد نادر يبكي.
بل صار ينظر إلى الدنيا نظرة العارف الصامت، الحليم الصغير.
وفي هدأة الليل، وبين صدر أمه، يسأل:
— لماذا أنا؟
فتردّ عليه أمه بنشيدٍ يشبه أسطورة،
تحكي له عن الصواريخ، والكواكب البعيدة، عن جول فيرن وآلات عجيبة.
وتغني له كما كانت "شانتال غويّا" تغني لأطفالها، أو كما كانت حكايات "با حمدون" تهمس بالأمل في آذان صغار البوادي.
وفي يومٍ، دخل الطبيب إلى الغرفة، رجل عارف بخبايا المرض ونظراتٍ تشعّ دفئاً.
في يده آلة غريبة،
فقال: — هذه مضخة... مضخة أنسولين!
لا تُؤلم.
لا تلسع.
بل توصل الدواء برقة، وبحسب الحاجة.
تتدلّى على خصر نادر كما تتدلّى أجنحة الجنّيات في الأساطير.
كانت صديقة... لا طبيبة.
رفيقة... لا أداة.
قال الطبيب: — هي تعرف متى يحتاج جسدك إلى الأنسولين.
قال نادر: — هل ستكلّمني؟
أجابه الطبيب: — لن تنطق، لكنها ستنصت لجسدك... وتفهمه.
يا لها من ثورة!
ركض نادر لأول مرة دون أن يسبقه الخوف.
ضحك من قلبه دون أن يتذكّر موعد الحقنة.
أكل قطعة من كعكة عيد ميلاده دون أن ينتظر نظرة الطبيب او الاب المعاتب.
لقد شعر بأنه حرّ.
بل محميّ.
بل لا يُقهر.
لكن للمضخة ثمن.
أربعون ألف درهم ثمناً لها،
وألف درهم كل شهر ثمن لوازمها: الأنابيب، الخزانات، اللاصقات السحرية.
ثمنٌ لا تقدر عليه أغلب الأسر.
وثمنٌ لا تعترف به شركات التأمين، ولا تعوّضه صناديق الحماية.
فأصبحت المضخة، عند أطفال المغرب، نجمةً بعيدة...
قريبة من القلب، بعيدة عن الجيب.
وفي إحدى الليالي، نظر نادر إلى أمه وقال:
— أمي... أريد أن أصبح مخترعاً.
سألته الأم: — وماذا ستخترع يا صغيري؟
قال: — مضخة... مجانية. لكل الأطفال. حتى من لا يستطيعون أن يحلموا.
وبكت الأم...
لكنها لم تبكِ من ألم، بل من فخر.
لأنها رأت في ابنها صاحب السبعة أعوام، شاعراً للعلم، ومهندساً للحنان، ومخترعاً للعدالة.
ولعلّ يوماً يأتي، لا يضطر فيه أي طفل أن يختار بين الصحة... والأمل.
2025...
في ظل مشروع التغطية الصحية الشاملة، وتحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، قد يتحقق حلم نادر.
وقد لا تبقى المضخة نجمةً بعيدة، بل تصبح هديةً مغربية لكل قلب صغير.