خلال تتبعي لوضعية العاملين في هذه المنصة، اتضح أن الأمر لا يتعلق بفرص شغل حقيقية، بل بشكل مقنّع من العمل غير المهيكل، لا يخضع لأي حماية اجتماعية ولا قانونية. فالشباب الراغب في العمل مع Glovo يُجبر على استخدام دراجته الخاصة، ويتحمل كامل تكاليف الصيانة، الوقود، والاتصال، كما يُكلف بجمع الأموال من الزبائن وإعادتها للشركة، دون أي تغطية ضد المخاطر أو أي ضمان ضد الحوادث. أما الأجر، فلا يتجاوز في أغلب الحالات 15 إلى 25 درهمًا للتوصيلة الواحدة، ما يعني أن الدخل الشهري لا يتجاوز 2500 إلى 3500 درهم كحد أقصى، رغم ساعات العمل الطويلة التي تتجاوز أحيانًا 10 ساعات يوميًا.
تُمارس الشركة نوعًا من التحكم الصارم في سلوك الموزعين عبر نظام تقييم آلي، حيث يتم إغلاق الحساب بشكل نهائي عند أي تأخير متكرر أو تقييم منخفض، دون أي حق في الدفاع عن النفس أو اللجوء إلى هيئة مستقلة. يتعرض هؤلاء الشباب يوميًا لمخاطر الطريق، لدرجات حرارة مفرطة صيفًا وبرودة قاسية شتاءً، دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض أو اعتبار إنساني من طرف الشركة.
المثير للقلق هو أن الشركة الأم في إسبانيا مدرجة في البورصة وصرّحت في تقاريرها السنوية بتحقيق مداخيل تفوق 800 مليون يورو سنة 2023، مستفيدة من توسعها في عدة أسواق، أبرزها السوق المغربي. بينما تواصل الاستفادة من هشاشة الوضع الاجتماعي بالمغرب لتحقق أرباحًا خيالية على حساب شباب لا يتمتع بأي حماية مهنية.
في المقابل، لا يبدو أن وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات قد أولت هذا الموضوع الاهتمام الكافي. فلا تتوفر معطيات دقيقة حول عدد الموزعين المسجلين، ولا عن طبيعة عقودهم، أو مدى خضوعهم للضمان الاجتماعي. هل هؤلاء مؤمنون ضد الحوادث؟ هل يتلقون تعويضات عن الأمراض المهنية أو الحوادث المرتبطة بالعمل؟ وهل هناك حد أدنى مضمون للدخل الشهري؟ أسئلة كثيرة تظل بلا إجابة، بينما يتفاقم الاستغلال بشكل يومي.
ما يحدث ليس فقط استغلالًا اقتصاديا، بل شكل من أشكال الإخلال بالعقد الاجتماعي، حيث تُترك فئة واسعة من الشباب المغربي عرضة للهشاشة من طرف شركات أجنبية تسعى فقط لتعظيم أرباحها دون أي التزام حقيقي نحو المجتمع الذي تشتغل فيه. لذلك فإن من الضروري فتح نقاش وطني شفاف حول شروط اشتغال منصات التوصيل في المغرب، والضغط من أجل تعديل الإطار القانوني الذي يسمح بهذه الانزلاقات.
الابتكار الرقمي لا ينبغي أن يكون مبررًا لانتهاك حقوق الشغل. وإذا أراد المغرب أن يتجه نحو اقتصاد عصري وعادل، فعليه أن يضع حدًا لهذا النوع من الاستغلال الذي يُخفي نفسه تحت شعار “المرونة والريادة”. بل إن التحدي الحقيقي اليوم هو أن نجعل من التكنولوجيا وسيلة لتحسين شروط العيش، لا وسيلة لاستنزاف طاقة الشباب المغربي بأبخس الأثمان.