جمال المحافظ: في الذكرى العاشرة لرحيله.. الحاجة ملحة لتفعيل كرسي محمد العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال

جمال المحافظ: في الذكرى العاشرة لرحيله.. الحاجة ملحة لتفعيل كرسي محمد العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال جمال المحافظ
بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل محمد العربي المساري ( 1936- 2015 )، وفي خضم الجدل الدائر حاليا حول إشكالية التنظيم الذاتي على ضوء المشروع  الحكومي حول " إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة"، سيكون مفيدا العمل على تفعيل "كرسي محمد العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال" الذي كان المعهد العالي للإعلام والاتصال قد أطلقه في 20 أكتوبر 2016 بالرباط. 
 
ويهدف هذا الكرسي الأكاديمي بالخصوص الى تنمية المعرفة العلمية في المهن الإعلامية والتواصلية، والسعي إلى إنشاء علاقات تعاون الأوساط العلمية والمهنية، خدمةً للرسالة الإعلامية وسمو أهدافها، فضلا عن دعم برامج التكوين والبحث العلمي في مجال الأخلاقيات في سياقاتها المهنية المختلفة، والإسهام في الرفع من مستوى الوعي بأهمية أخلاقيات المهنة، من خلال تنظيم ندوات ومناظرات ولقاءات لرصد وتدارس مختلف المواضيع والإشكاليات المرتبطة بالأخلاقيات ومبادئ وقواعد السلوك المهني. 

تنمية المعرفة
كما يهتم الكرسي بأخلاقيات العمل الاعلامي والقواعد التي تتعلق بالسلوك المهني وما يحف به من إشكاليات، بفعل انتشار وسائل الاتصال الجديدة، وتنامى استخدامها بنسق مكثف وسريع. كما يرمى الى العمل على تنمية المعرفة العلمية في مجال أخلاقيات المهن الإعلامية مع السعي الى إنشاء علاقات تعاون إيجابي مع الأوساط المهنية خدمة للرسالة الإعلامية وسمو أهدافها، مع الإسهام في الرفع من مستوى الوعي بأهمية أخلاقيات المهنة. 

وحسب ما التزم به  وزير الاتصال آنذاك في كلمته خلال حفل تدشين، "كرسي محمد العربي المساري"، على أن هذا الأخير، سيضطلع بثلاث مهام رئيسية هي  " المساهمة في التكوين الأكاديمي المعمق لـ 60 صحفيا كل سنة، واستضافة شخصيات علمية وازنة تلقي محاضرات للعموم، و تشجيع البحث العلمي، فضلا عن استفادة حوالي 40 مؤسسة، من بينها 15 جامعة وعشرات مؤسسات التعليم العالي الخاصة، من تكوين في أخلاقيات الإعلام والاتصال، وهو ما سيجعل الكرسي مرصدا لأخلاقيات وآداب المهنة ".
 
قيم ورهانات
لقد تميزت السنة الأولى على إحداث كرسي العربي المساري وتعيين أعضاء ومنسق لأعماله، وتوفير مكتب خاص به، بدينامية ملحوظة، توجت بتنظيم يوم دراسي بالقاعة الكبرى للمعهد العالي للإعلام والاتصال، بمشاركة إعلاميين وباحثين وأساتذة جامعيين، وذلك لمدارسة موضوع " أخلاقيات الإعلام بالمغرب، القيم والرهانات"، وفق محاور ثلاثة تنكب على مناقشة "الممارسة الإعلامية وسؤال الأخلاقيات"، و"الشروط القانونية والقيمية لمهنة الإعلام" و"الإعلام الجديد بين الحرية وقواعد الممارسة المهنية للصحافيين".
 
هذا اللقاء العلمي المهني، تزامن مع  الوعي بأهمية الالتزام باحترام قواعد أخلاقيات مهنة الصحافة، باعتبارها إحدى الأدوات الرئيسة  التي تساهم في مصداقية الاعلام وجلب احترام الجمهور.
 
وطرحت بالمناسبة العديد من الأسئلة، همت بالخصوص  انعكاسات التحولات التقنية والرقمية على الممارسة الإعلامية، والسبل الكفيلة بالاستفادة من هذه التكنولوجيات، ارتباطا بالمعايير المهنية للصحافة والإعلام، مع تكريس قواعد الحرية والتعددية وضمان الحق في الحصول على المعلومات.
 
وترجمة لهذه الدينامية، أنجز كرسي العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال العدد الأول التجريبي دورية أكاديمية علمية متخصصة، بعنوان" سند للإعلام"، يقع في أزيد من خمسين ( 50 ) صفحة، تهدف إلى تعزيز ثقافة أخلاقيات الصحافة والاتصال بين المهنيين في القطاع، وخلق جسر تواصل معهم، من خلال تبادل وجهات النطر والآراء في هذا المجال، من منظور علمي صرف، يعتمد مقاربة مدمجة وتشاركية، يساهم فيها كل الباحثين الأكاديميين والصحفيين والمهتمين، علاوة على المساهمة في تسليط الضوء على أهمية التحديات الملحة التي تفرضها المتغيرات العميقة والمتسارعة التي يشهدها الاعلام والاتصال.

 وقارب العدد الأول من هذه الدورية، الذي ساهم فيه أساتذة وخبراء وصحافيين مرموقين، مواضيع حول "الصحافة المغربية تحولات في الوظيفة والانشغالات: أجيال جديدة أخلاقيات الصحافة السؤال المؤجل" و"الصحافة الرقمية بالمغرب بين التقنين ورهان المضامين" و"أخلاقيات الصحافة والاعلام الهاجس أو الورش المفتوح".

أخلاقيات الرقمنة
 كما تضمن هذا العدد قضايا أخرى منها " المسؤولية وأخلاقيات الصحافة في الفضاء الرقمي" و"تحدى العالم الافتراضي وأخلاقيات الصحافة:. كما يتضمن العدد التجريبي، فضلا عن ركن قار تحت عنوان "نافذة على رجالات الاعلام"، خصص ل " بصمات المفكر محمد عابد الجابري الإعلامية"، وملحقا يضم الإطار العام لدراسة ميدانية شرع في انجازها الكرسي في موضوع "وقفة على الواقع الفعلي للممارسة الإعلامية في بعدها الديونطولوجي. إشكاليات ومقاربات السمعي البصري نموذجا». 

كلمة العدد، جاء فيها أن المسؤوليات الجسام التي يتحملها الباحثون والإعلاميون، على ضوء الواقع الاتصالي الجديد، تتطلب تكثيف الجهود لمواكبة الدينامية التي يشهدها الاعلام والاتصال، وذلك بإيلاء هذه الدينامية الأهمية التي تستحقها من مواكبة ودراسة، سعيا الى نشر ثقافة علمية إعلامية مستفيدة من تقنيات البحث واتجاهاته ومناهجه.

 وعبرت هيئة تحرير المجلة في ذات الكلمة عن الأمل أن يكون هذا العدد في مستوى ما ينتظره الباحثون والإعلاميون والمهتمون، وأن يشكل محتواه وثيقة مرجعية تفي بالغرض، بما يساعد على الإلمام بالقواعد السلوكية التي ترتقي بالمهنة الصحفية والإعلامية، وتضمن موقعها والتزامها وتصون رسالتها الاجتماعية والانسانية. 

وفي جانب الأبحاث والدراسات، شرع الكرسي في بداية عمله في انجاز دراسة علمية حول إشكالية اخلاقيات المهنة في وسائل الاعلام السمعية البصرية العموية والخاصة، والتي اعتبرت من بين الدراسات الأولى حول موضوع الأخلاقيات الذي كان في الغالب يركز على أداء الصحافة المكتوبة. 

مكتبة المساري
ووفاء لمبادئ وقيم الراحل العربي المساري، الذي آمن قيد حياته بنشر المعرفة وحفظ الذاكرة سبيلا للنهوض بالمجتمع، أهدت أسرته ، جانبا من مكتبته الخاصة إلى كرسي أخلاقيات الإعلام والاتصال، تشمل بالخصوص مجموعة الأعمال التاريخية والوثائقية الكاملة، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للطلبة والباحثين الإطلاع على مجموعة من أعمال الراحل المرجعية في التاريخ السياسي للمغرب، ومسار الحركة الوطنية والمقاومة فضلا عن العلاقات المغربية الإسبانية وقضية الصحراء والتعددية والتنوع الثقافي.

وبهذه المبادرة فإن عائلة المساري، رغبت ترسيخها باختيارها كرسي أخلاقيات الإعلام والاتصال، كمنبر أكاديمي يحمل اسمه، للحفاظ وتثمين هذا الإرث الوطني الثمين، وذلك بإتاحة ما ضمته مكتبته الغنية بالكتب والصحف والمجلات الثقافية والأدبية المتنوعة للمهتمين. كما تأتي هذه الهبة، كما أعلن آنذاك  كثمرة لوعي عائلة الفقيد بدور الأرشيف الخاص كمكون للذاكرة الجماعية المغربية، وكذا كتعبير منها عن رغبتها في تخليد اسم وذاكرة أحد رواد الفكر المغربي المعاصر من خلال تناوله من قبل الباحثين خصوصا منهم المهتمين بقضايا الإعلام والسياسة.
 
تكوين وإصلاح
وعلى الرغم من هذا الزخم الذي واكب مرحلة التأسيس، فإن آخر نشاط  نظمه الكرسي، هو ذاك الذي أقامه بتعاون مع المركز المغاربي للدراسات والأبحاث والاعلام في 24 يوليوز 2020، بمناسبة الذكرى الخامسة لوفاة المساري ندوة حضورية وعن بعد، في موضوع "أخلاقيات الصحافة في الزمن الرقمي"، احتضنتها قاعة المحاضرات بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. 
 
وتميزت هذه الندوة، التي جاءت بعد تعيين منسق جديد للكرسي، بمشاركة عدد من الأساتذة والخبراء والفاعلين في الصحافة والإعلام، وأسرة الفقيد التي أكدت في ورقة ألقتها منى المساري ابنة الفقيد التي بأن والدها، كان قيد حياته يؤكد دائما على توسيع هامش الحريات العامة، ومنها الصحافة والإعلام، مع التقيّد بالضّوابط المهنيّة وأخلاقيات مهنة الصحافة.
لقد أبانت التحولات في مجال الصحافة والإعلام أن الحاجة ماسة لتفعيل كرسي العربي المساري لاخلاقية الصحافة والاتصال"، ليس فقط وفاء لذاكرة رجل استثنائي، رحل جسدا ولكن القيم التي ناضل من أجلها،  تظل مسؤلية مشتركة لمكونات المشهد الإعلامي، وفي مقدمتهم المؤسسة التي تتولى الإشراف على هذا الكرسي، من خلال الاستجابة  لمختلف نداءات الهيئات والفاعلين اعلاميين، وأسرة  الفقيد، لتفعيل كرسي العربي المساري، وإعادة  هيكلته حتى يحقق الأهداف التي أسس من أجلها سنة 2016،  وملائمتها مع متغيرات القرن الواحد والعشرين. 
 
بينما لا يستقيم الحديث عن كرسي العربي المساري بدون ربطه، بواقع وآفاق التكوين الإعلامي، وحفظ الذاكرة حية، وهو ما يطرح في حقيقة الأمر تساؤلات منهجية في مقدمتها موقع الصحافة والاعلام في السياسات العمومية، وهل يشكل هذا القطاع الحيوي أولوية في ظل الخصاص المسجل، في مجالات التكوين والتكوين المستمر، على الرغم من الزيادة الكمية في عدد المؤسسات الجامعية والمعاهد المهتمة بالصحافة والاعلام والاتصال، وفتح مسالك وشعب ببعض الكليات، في هذا التخصص الذي يعود فيه الفضل الى عدد من الأساتذة الجامعيين، فإن ذلك يظل دون مستوى الحاجيات والانتظارات، مع ما يلاحظ المهتمون من ضعف في مضامين ومحتويات التكوين والتأطير، وعدم ملاءمته مع التحولات العميقة والمتسارعة الجارية، وهو ما يتطلب جيل جديد للتكوين في الصحافة والاعلام.