اسماعيل بوكيلي مخوخي: العقوبات البديلة في المغرب.. ميلاد عدالة إنسانية تجمع بين الصرامة والرحمة

اسماعيل بوكيلي مخوخي: العقوبات البديلة في المغرب.. ميلاد عدالة إنسانية تجمع بين الصرامة والرحمة اسماعيل بوكيلي مخوخي
تمثل العقوبات البديلة في المغرب تحوّلاً نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية، ترتكز على إصلاح الجانح ودمجه بدل السجن التقليدي.
وينص القانون الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ في 22 غشت 2025 على بدائل كخدمة المجتمع والمراقبة الإلكترونية، ويمنح القضاة دوراً محورياً في تفعيل هذه العدالة الرحيمة. 
في هذا المقال، يتحدث الأستاذ اسماعيل بوكيلي مخوخي، عضو المجلس الوطني بنادي قضاة المغرب، عن كون التجربة تراهن على الرؤية الإصلاحية للقضاة، وتعد بنجاح أكبر لنظام العقوبات بفضل التوازن بين الصرامة والرحمة. 
ويعتبر أن العقوبات البديلة في المغرب، هي انطلاقة جديدة نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية، توازن بين الردع والإصلاح وتفتح أبواب الأمل أمام الجانحين البسطاء..
فيما يلي المقالة بتوقيع الأستاذ اسماعيل بوكيلي مخوخي، عضو المجلس الوطني بنادي قضاة المغرب:


"حين يبدل السجن بالعقل.. وتستبدل القسوة بالعدل"
إنه لمِن سنن التطور التشريعي أن يتلمّس المشرّع مسالك العدالة المُثمرة، فيَستبدل جمود الردع بنبض الإصلاح، ويبدّل ضجيج الزنازين بإيقاع الاندماج. هكذا بزغ فجر العقوبات البديلة في المغرب، لا كبديلٍ عن القانون، بل كتجديد له، لا كإنكارٍ للجزاء، بل كارتقاء به.
إنّ الفقه الجنائي الحديث ما عاد يستسيغ اختزال العدالة في إغلاق أبواب الزنازن، ولا يحصر الجزاء في الحديد والسلاسل، بل يتطلّع إلى عدالة إنسانية، ذكية، مرنة، تستبطن فلسفة الإصلاح والاندماج، وتُبقي على هيبة القانون دون أن تُغلق نوافذ الرحمة.
العقوبات البديلة في المغرب: حين تشرق شمس الأمل من بين غيوم العقاب.
وفي هذا الأفق المشرق، تتنزّل العقوبات البديلة في المغرب، لا كترف تشريعي، ولا كهروب من مقتضيات الردع، بل كاستجابة متزنة وعقلانية لمطالب العصر ومقتضيات الكرامة الإنسانية، وكمحاولة لتطويق آفات الاكتظاظ السجني، وتكريس عدالة ترميمية متكاملة.
وإذا كانت بداية الاشتغال بهذا التوجه تُعد إرهاصاً لتغيّر عميق في فلسفة العقاب، فإن السيدات و السادة القضاة قد حملوا هذا الورش فوق أكتافهم، لا بوصفهم مجرد منفّذين، بل كفاعلين طلائعيين، شجعان في التقدير، رواد في التنزيل، حالمين بعدالة تردّ الحقوق دون أن تحطّم المصائر، على اعتبار أن العقوبات البديلة في المغرب ميلاد عدالة راشدة تُؤمن بإصلاح الإنسان لا سَجنه.
رؤية من نصف الكأس الممتلئ: تفاؤل علمي وعملي لكون أن القراءة التفاؤلية العاقلة تجعلك تؤمن أن نصف الكأس الممتلئ لا يخدع، بل يُلهم.
لسنا سذّجاً لنتجاهل التحديات التي قد تعترض تطبيق هذا القانون؛ من ضعف في البنية التحتية، أو قلة في الموارد، أو حتى مقاومة من داخل الجسم القضائي نفسه. لكن التفاؤل هنا ليس غيبياً، بل مُؤسس على مؤشرات حقيقية:
- هناك إرادة واضحة لتغيير المنظور التقليدي للعقوبة.
- هناك اجتهادات قضائية سبقت القانون في روحها، كانت تُحاول لَيّ عنق النص نحو الإنصاف.
- هناك نقاش حقوقي متنامٍ حول بدائل السجن، وتحول في نظرة المجتمع للعدالة، من الانتقام إلى الترميم.
وإذا كانت هذه التجربة في بدايتها، فإن المستقبل، بعين من يرى نصف الكأس الممتلئ، يُبشّر بنجاحها، لأنها تجربة تُبنى على عقل الدولة، وضمير القاضي، وحاجة المجتمع. قد يرى البعض في العقوبات البديلة مخاطرة تشريعية، أو مقامرة اجتماعية، لكن من يرى بنور البصيرة، لا بعين الريبة، سيدرك أن هذه العقوبات ليست خفضاً من هيبة القانون، بل تعميقٌ لإنسانيته. ليست ضعفاً في الردع، بل قوة في الإدماج.
فبدل أن يُسجن الجانح البسيط، فيخرج أكثر خطراً، يُمنح فرصة ليُصلح ذاته، ويُسهم في المجتمع. وبدل أن تُثقل السجون بأجساد بلا جدوى، تُفتح بوابات العمل ذي النفع العام، والمراقبة الإلكترونية، والتدابير التأهيلية.
القضاة: فرسان تنزيل العدالة البديلة
لقد بدأ المغرب رسم ملامح هذا الورش الإصلاحي العميق مع صدور القانون رقم 43.22، الذي سيُفعّل يوم 22 غشت 2025، كتاريخ مفصلي يُؤرِّخ لتحوّل نوعي في السياسة العقابية، قِوامه: أن ليس كل جُرم يستوجب سجناً، وليس كل جانح يستحق قيداً حديدياً، وأن العقوبة إن لم تكن إصلاحاً، فهي خطأٌ في التقدير. لكنّ ما يضفي على هذه اللحظة التاريخية طابعها الفريد هو أنها ليست فقط لحظة قانون، بل لحظة وعي قضائي متقدم، لحظة نهضة فكرية يقودها قضاة النيابة العامة، الذين برهنوا أنهم ليسوا أوصياء على السجن، بل على العدالة، بكل معانيها.
لقد أبان السيدات والسادة القضاة عن جرأة فكرية نادرة، في التفاعل مع هذا المشروع. فإيمانهم العميق برسالة العدالة، واقتناعهم بأن العقوبة لا يجب أن تكون عقاباً فقط، بل تهذيباً وإعادة بناء، جعلهم في مقدمة الصفوف لإنجاح هذا المسار.
هم من سيملأُ طلبات الاستبدال ويضبط موازين الملاءمة.
هم من سيتوسم في الجانح قابليّة الإصلاح، لا ليتغافل، بل ليُثمّن.
هم من سينقل التجربة من نصوص صامتة إلى واقع ينبض بالحياة، بمقرر قضائي حكيم، وبسلطة قانونية متبصرة.
السيدات والسادة القضاة اليوم لا يمشون في ردهات المحكمة فقط، بل يسيرون في درب الإصلاح العميق للسياسة الجنائية، يزرعون عدالة بلا دموع، ويقطفون مستقبلاً يُعيد للحق معناه، وللعقوبة نُبلها.
ليست العقوبات البديلة خيالاً طوباوياً، بل جسرٌ بين العدالة التقليدية والعدالة الإصلاحية. هي بستان التشريع الجديد، تُرويه سواعد القضاة، وتسقيه إرادة الدولة، وينتظر المجتمع ثماره. هي ليست إسقاطاً للعقوبة، بل إبدالٌ للعقاب بالإنضباط، للسجن بالدمج، وللعزل بالمشاركة. إنها بلغة المجاز، عدالة تمشي على قدمٍ من قانون، وأخرى من رحمة.
22 غشت 2025: ميلاد التطبيق
وها هو التاريخ يوشك أن يخطّ سطراً جديداً في سجل القضاء المغربي. 22 غشت 2025، موعد انطلاق العمل بالقانون رقم 43.22، والذي يحمل في طيّاته عقوبات بديلة لا تمس بجوهر العدالة، بل تطهرها من شوائب التكرار والجمود. ولن ينجح هذا المسار إلا بإرادة جماعية، وبثقة في قضاة النيابة، أولئك الذين يُديرون الملف الجنائي لا بحدّة السوط، بل برهافة الميزان.
في الأدب كما في القانون، الصورةُ تحرّك الشعور، والمجاز يُقرّب المعنى. فالعقوبات البديلة ليست عقوبات مَخففة، بل عقوبات مُختلفة، تُماثل في جِديّتها، وتتفوق في إنتاجها، ليست ترفاً قانونياً، بل ترجمة لنُضج الدولة.
فحين يُبدَّل السجن بعمل ذي نفع عام، يتحول الجانح من عالة إلى مُنتج. وحين تُطبَّق المراقبة الإلكترونية بدل السجن، تُراقَب الحرية لا لتُقمع، بل لتُصان. وحين تُفعّل التدابير التأهيلية، يصبح القضاء مُربّياً لا فقط مُعاقِباً. هي عدالة لا تقطع الجسور مع الجانح، بل تبنيها نحوه. عدالة تُبقي على القانون صارماً، دون أن تسلبه قلبه.
و لن يكون هذا الورش مجرد نص جميل يُتلى، بل سيتحول، بتظافر الجهود، إلى تجربة مغربية رائدة تُلهم التشريعات المقارنة. فالعبرة لا في وجود قانون بديل، بل في تنزيله ببدائل فكرية حقيقية:
- تكوين القضاة وتوفير أدوات الملاءمة الموضوعية.
- تحسيس المجتمع بأن العقوبة ليست دوماً سجناً.
- تحصين الضمانات القانونية حتى لا تُستغل العقوبات البديلة لتفادي الردع بل لتجويده.
خاتمة: نحو عدالة رائدة وإنسانية
لقد ولدت العقوبات البديلة من رحم الحاجة، وكبرت على أكتاف الأمل، وستمشي على درب التطبيق بقيادة من آمن بها من قضاة النيابة. ولئن تعثرت الخطوات في البدايات، فإن الإصرار كفيل بأن يُحوّل التجربة إلى مرجعية، ويجعل من المغرب، لا فقط ساحة تجريب، بل مدرسة تشريع، تدرّس للغير كيف تكون العقوبة فرصة، لا وصمة.
في كل تجربة تشريعية رائدة، هناك لحظة أولى، لحظة مفصلية، قد تُقابل بالتردد، أو يُساء فهمها. لكن في ظل وُجود القضاة الشجعان، والارادة الواعية، ومجتمع متعطّش للعدل، فالتجربة لا محالة ناجحة. إنها عقوباتٌ، نعم، ولكنها تشبه الغُصن الذي يُثنى ليُقوَّم، لا ليُكسَر.وهي قانون، نعم، لكنه يشبه الوعد الذي تقطعه الدولة لنفسها: أن لا تُفرِّط في الردع، ولا في الإنسان.
ومن هنا، فإن يوم 22 غشت 2025 لن يكون مجرد تاريخ إداري، بل ميلاد عدالة جديدة، راشدة، متزنة، وإنسانية... يَكتبها القضاة، ويشهدها الوطن.