داء "كرون" CROHN: معركة معوية متعددة الأوجه تتطلب تضافر الجهود الطبية المتخصصة

داء "كرون" CROHN: معركة معوية متعددة الأوجه تتطلب تضافر الجهود الطبية المتخصصة الدكتور أنور الشرقاوي والدكتورة غزلان الإدريسي
بقلم الدكتور أنور الشرقاوي، بالتعاون مع الدكتورة غزلان الإدريسي، أخصائية أمراض الجهاز الهضمي والبروكتولوجيا، خبيرة العلاج بالليزر - الرباط/سلا


مرض مزمن يصيب الأمعاء، صامت… لكنه عنيد وخطير
تخيلوا التهاباً يتسلل إلى أماكن غير متوقعة: الأمعاء الدقيقة، القولون، وأحيانًا الفم أو منطقة الشرج.
يبدأ في الهدوء… ثم يثور فجأة: آلام بطنية، إسهال متكرر، فقدان في الوزن، حرارة مرتفعة، وتعب مستمر.
إنه داء " كرون" Crohn، المرض الذي لا يرحم الجسد ولا النفس.

غالبًا ما يصيب الشباب في ريعان عمرهم، دون مقدمات، ودون نمط محدد.

ينشط على شكل نوبات، يختفي فجأة، ثم يعود من جديد.

لا يوجد له علاج نهائي، لكن المتابعة الجيدة والعلاج المناسب يمكّنان المرضى من استعادة زمام الأمور.

فريق طبي متكامل لمواجهة خصم مراوغ

ما الذي يجعل " داء كرون " معقدًا؟
تعدد صوره وأعراضه.
فبعض الحالات خفيفة، وأخرى شديدة للغاية.

أحيانًا يصيب الطبقة السطحية من الأمعاء، وأحيانًا يخترقها بعمق.

يمكن أن يُحدث نواسير، خرّاجات، أو انسدادات في الجهاز الهضمي.

بصريح العبارة: هو مرض يتحول ويتخفى، كالحرباء.

لهذا، لا يمكن لطبيب واحد مواجهته.
الطبيب العام هو أول من يشتبه فيه.
ثم يتدخل طبيب الجهاز الهضمي، القائد الأساسي للتشخيص والمتابعة:
يفحص الأمعاء بالتنظير، يأخذ عينات (خزعات) للتأكد من التشخيص، ويتابع تطورات المرض لأنه مرض التهابي قد يتحول، بعد سنوات، إلى حالة سرطانية.

ثم يأتي دور طبيب الأشعة، بمساعدة التصوير بالرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية، لرسم خريطة دقيقة للمناطق المتضررة.
ويقوم أخصائي التحاليل الطبية برصد مؤشرات الالتهاب في الدم أو البراز.
أما الجراح، فيتدخل فقط في الحالات الطارئة أو عندما تفشل العلاجات الأخرى.
ولا ننسى دور أخصائيي التغذية والدعم النفسي، لتقديم مواكبة شاملة للمريض.

طبيب البروكتولوجيا... الحارس الأمين

هناك طبيب آخر لا يُذكر كثيرًا، لكنه يلعب دورًا حاسمًا، خاصة عندما يضرب " داء كرون" منطقة الشرج والمستقيم:
إنه طبيب البروكتولوجيا.

في حالات الشقوق المتكررة، الخرّاجات المؤلمة، والنواسير العنيدة… يكون هذا الطبيب هو الأمل.

يتدخل لتقديم علاجات موضعية، تصريف الخرّاج، تركيب "السيتون"، استخدام الليزر البروكتولوجي، أو تقنية البلازما PRP…
كل ذلك بهدف التخفيف دون تشويه، والعلاج دون المساس بجودة حياة المريض.
عمله هادئ، دقيق، لكنه لا يقل أهمية عن باقي الأطباء.

أسلحة جديدة ضد الالتهاب المعوي
لحسن الحظ، دخلت تطورات علاجية حديثة إلى الساحة.
العلاجات البيولوجية، خصوصًا مضادات TNF، شكلت نقلة نوعية، إذ تُوقف الالتهاب من جذوره.

اليوم، أصبح من الممكن استهداف مسارات بيولوجية أخرى مثل "الإنترغينات" ومسارات "JAK"، مما يسمح بتخصيص العلاج لكل حالة.

الجراحة أيضًا أصبحت أكثر دقة وأقل تدخلاً.
والطب الدقيق، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والتحاليل الجينية، والعلامات البيولوجية، يساعد على اتخاذ القرار المناسب لكل مريض.

الهدف؟
بلوغ ما يُعرف بـ" الهدوء العميق" للمرض:
غياب الأعراض، اختفاء الالتهاب في الكاميرا الطبية ، وعودة الحياة إلى طبيعتها.


" داء كرون"... لا يُعالج فقط، بل يُروّض
العيش مع " داء كرون" لا يعني فقط أخذ الأدوية.
بل هو تدريب على فهم الجسد، توقع الانتكاسات، وإعادة بناء الحياة رغم التحديات.

خلف كل تحاليل مخبرية، وورقة طبية، هناك حكاية صبر، وتحدٍّ، وتمسك بالأمل.

وخلف كل تقدم علاجي، هناك خطوة نحو الحرية.
حرية الأمعاء… وحرية الإنسان.