الدكتور أنور الشرقاوي: زيـدان..ومـاتيرازي… العنف وخطر الموت بين لاعبي كرة القدم

الدكتور أنور الشرقاوي: زيـدان..ومـاتيرازي… العنف وخطر الموت بين لاعبي كرة القدم الدكتور أنور الشرقاوي
بقلم/ الدكتور أنور الشرقاوي، طبيب وخبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي

في كرة القدم، لا يكفي الطرد، ولا حتى الإيقاف لعدة مباريات أو الغرامات المالية، لردع بعض أشكال العنف التي قد تهدد حياة اللاعبين على أرض الملعب.
في ليلة 9 يوليوز 2006، وأمام أنظار العالم في نهائي كأس العالم ببرلين، وقع ما لم يكن في الحسبان: زين الدين زيدان، قائد المنتخب الفرنسي، يوجه نطحة قوية برأسه مباشرة إلى صدر المدافع الإيطالي ماركو ماتيرازي.
مشهد صادم، تناقلته الشاشات وتحول إلى جدل أخلاقي ورياضي واسع...


لكن خلف الصدمة، يبرز سؤال طبي خطير:
ما الذي يمكن أن يسببه هذا النوع من الضربات لجسم الإنسان؟
وماذا لو لم يكن المتلقي لاعبًا محترفًا بقوة بدنية عالية، بل لاعبًا هاويًا، مراهقًا، أو حتى شخصًا مسنًا؟

جبين الإنسان ليس أداة عادية.
وعندما يُوجّه بقوة وغضب، يتحول إلى مطرقة قاتلة.

النطحة التي وجّهها زيدان أصابت عظم القص، وهو عظم مسطح يوجد في وسط الصدر، يحمي القلب والرئتين والشرايين الكبرى.

خلف هذا العظم، ينبض القلب، تتنفس الرئتان، ويعمل غشاء التامور على حماية العضلة القلبية، بينما تمر شرايين حيوية تنقل الحياة إلى كل أنحاء الجسم.

ضربة بهذه القوة وفي هذا الموضع، قد تؤدي إلى كدمات داخلية خطيرة، كسور دقيقة غير مرئية، اضطرابات في ضربات القلب، أو حتى سكتة قلبية مفاجئة، تُعرف طبيًا باسم commotio cordis.

كما يمكن أن تتضرر الرئتان، مما يؤدي إلى نزيف داخلي، صعوبات تنفسية حادة، أو حتى اختناق.

وإذا تكسرت إحدى الضلوع، قد تخترق الأنسجة المحيطة وتُحدث انخماصًا رئويًا قاتلًا.

لحسن الحظ، ماركو ماتيرازي نهض، أكمل المباراة، وخرج سليمًا…
لكن هذه حالة استثنائية لا يُقاس عليها.

ففي ميادين أخرى، شهدت كرة القدم مآسي مؤلمة لا يمكن اختزالها في مجرد بطاقة حمراء.

في سنة 2004، سقط اللاعب الهنغاري "ميكلوش فهير" مغشيًا عليه إثر احتكاك مباشر.
النتيجة: سكتة قلبية، يُرجح أنها تفاقمت بسبب إصابة قلبية سابقة.

وفي 2014، توفي اللاعب الهندي "بيتر بياكسانغزوالا" بعد سقوطه على عنقه أثناء احتفال غير محسوب بهدف سجله.

وفي 2022، توفيت اللاعبة المكسيكية إيلوينا دل كارمن مارتينيز نتيجة نزيف دماغي إثر ارتطام رأسها خلال التحام هوائي.

هذه الحوادث ليست صدفة، بل رسائل واضحة:
الصدمات بين اللاعبين أثناء المبارة ، حتى وإن بدت بسيطة، قد تقتل.

سواء في الملاعب المحترفة أو الهواة، يجب أن نعي أن أي احتكاك جسدي قوي ليس أمرًا عابرًا.
آثاره قد تكون فورية أو تظهر لاحقًا.
وقد تكون خفية، لكنها خطيرة.

حان الوقت لقول الأمور بصراحة:
نطحة على الصدر ليست "حركة في إطار اللعب"، بل اعتداء جسدي قد يؤدي إلى الوفاة.
والعقوبات الرياضية الحالية، كالبطاقة الحمراء أو الغرامات، غير كافية.

ما لم تتخذ الاتحادات الرياضية إجراءات حازمة، وتشرّع بوضوح ضد هذا النوع من "عنف اللعب"، ستظل الملاعب مفتوحة أمام تصرفات أكثر تهورًا.

الطب الرياضي لا يجب أن يظل متفرجًا.
بل عليه أن يكون في صلب الحدث:
بالحضور الميداني للأطباء،
بوجود أجهزة الإنعاش (D.A.E.) في كل ملعب،
وبتكوين اللاعبين والمدربين في الإسعافات الأولية،
حتى في دوريات الأحياء.

كما يجب أن نعيد التفكير في ثقافتنا الرياضية:
كرة القدم ليست ساحة للمصارعة.
ولا يجب أن تُطَبّع مع العنف تحت شعار "الحماس والندية".

اليوم، والمغرب يستعد لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025، والمشاركة في تنظيم كأس العالم 2030، لدينا فرصة تاريخية:
أن نجعل من الصحة الجسدية للاعبين أولوية وطنية،
وأن نثبت للعالم أن كرة القدم يمكن أن تكون آمنة، جميلة… وإنسانية.