محمد بلال أشمل: " 18 خـوليو 1936"... يوم الاعتبار والاعتذار بإسبانيا

محمد بلال أشمل: " 18 خـوليو 1936"... يوم الاعتبار والاعتذار بإسبانيا محمد بلال أشمل
قبل يومين، احتفلت إسبانيا ب"يوم الشجاعة"، وهو اليوم الذي يصادف انتصار الجمهوريين (اليساريون والشيوعيون والأناركيون والنقابيون) الذين أطاح بحكمهم الانقلاب الفاشي لفرانشيسكو فرانكو. وبصرف النظر عن اختلاف وجهات هذا الفريق أو ذاك من "يوم الشجاعة" داخل إسبانيا، يبرز في النقاش الدائر دور بعض المغاربة الذين أقحموا في المواجهة، مما يفرض تنصيب هيئة للإنصاف و المصالحة لمعرفة حيثيات إقحام مواطنين مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، وذلك للاعتراف بكل الحقائق والمصالحة مع الذات، والتوقف عن نعث الذين شاركوا في هذه الحرب بالمرتزقة.

أعلنت النيابة الوطنية لجبهات الفتيان يوم الثامن عشر من خوليو من كل عام "يوم الشجاعة" في كل التراب الإسباني، وذلك يوم 20 فبراير 1945 بعد مرور ست سنوات عن انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية في أبريل سنة 1939. وقد أريد من ذلك تحقيق غايتين أساسيتين، أولاهما التنبيه على فضل "الشجاعة" وقيمتها في خدمة الوطن، والتأسي بالقيم المثالية العليا، وثانيهما ترسيخ محبة الجيش الإسباني في قلوب الفتيان الإسبان ودعوتهم إلى الانخراط في صفوف قواته المسلحة.
ماذا تراه يمثل هذا التاريخ بالنسبة لجارتنا اليوم؟ أهو يوم الشجاعة؟ أم يوم "الخيانة" للشرعية الجمهورية التي أطاح بها الانقلاب العسكري بعد 18 خوليو 1936.
قد تختلف وجهات النظر بحسب اختلاف المواقف السياسية. ولكن أحسب أن الإجابات لن تخرج عن الحدود التالية؛ فهي من جهة محض "نوستالجيا" لدى فريق "الوطنيين" الذين راكموا خيبات الأمل مع الحكومات الديموقراطية، وإرادة في التغيير لدى "الجيل الجديد" من "الفلانخي" الذي يعرف كيف يستفيد من أخطاء الديمقراطية، ومن جهة أخرى، دفقة من الكراهية والحقد لم تخف مع توالي الأيام والسنين لدى من "هزموا" في الحرب الأهلية عام 1939 ولدى أبنائهم وأحفادهم.
وحدهم بعض المثقفين والسياسيين من بصروا بعواقب تنزيل الماضي على الحاضر فنظروا إلى 18 خوليو من حيث هي محطة في تاريخ إسبانيا كان لا بد لها أن تكون ولو لم يكن لها أن تكون، فوضعوا لها بعض المحاذير لكيلا تتكرر ويلاتها، مُشترطين خلال ذلك كله إظهار الحقيقة، والمطالبة بحكمة المُصالحة مع الماضي. لكن الأهم في هذا السؤال بالنسبة إلينا في شمال المغرب هو "ماذا يمثل لنا 18 خوليو 1936"؟
الحق إن تاريخا كهذا يصطنعه البعض لتصفية الحساب مع الحركة الوطنية في الشمال ورميها بأسوأ النعوت، ولن يعدموا عندئذ ظهيرا من هذا الكاتب أو ذاك في الضفة الأخرى. كما أن البعض يرى فيه محض كمية زمانية اسْتضْعِفَ فيها بعض أهل المغرب، وسيقوا إلى حرب لا مدخل لهم فيها سوى كونهم كانوا تحت سلطة الحماية الإسبانية، ومن ثم فهم إما مُغرّر بهم بوعود عريضة في قطف أجمل الزهور من حديقة النصر، أو محض "مرتزقة" هبوا لحمل السلاح طمعا في متاع مادي وحظوة اجتماعية. وقد يرى فيه البعض، ممن أدركوا حقيقة "الجغرافيا السياسية"، أن التغيير في الدول قد يقع من الخارج باتجاه الداخل. لا مجال "للتكلم" الآن مع هؤلاء ولا مع أولئك، فقد يكون أوانه لما تنهض هيئة للإنصاف والمصالحة مع أهل الشمال تطالب بحقوقهم في ملف الحرب الأهلية الإسبانية.
إننا ندعو جميعهم إلى مراجعة بضاعتهم المعرفية بصدد 18 خوليو واستخلاصها من آفات التضليل الإيديولوجي حتى يكون يوم 18 خوليو ذكرى ليوم الشجاعة في الاعتراف بالحقائق والتصالح مع الذات. وفي خضم ذلك نحب أن نتساءل معهم بكل محبة: هل تم الكشف عن كافة وثائق الحرب الأهلية الإسبانية؟ هل عرفت جميع أسرارها لدى أهلها؟ ماذا يعرف المغاربة عن مشاركة إخوانهم في الحرب إلى جانب الجمهورية؟ أكان كل من شارك في الحرب من "المرتزقة"؟ ألا يفترض وجود ولو مغربي واحد شارك فيها من منطلق مبدئي؟ ماذا يسمى المغاربة الذين شاركوا في الحربين العالميتين إلى جانب فرنسا؟ هل ثمة إمكانية للمفاضلة بين من شاركوا إلى جانب "الحاج فرنكو" في القضاء على الجمهورية، وبين من شاركوا إلى جانب فرنسا في القضاء على النازية؟ أسئلة عديدة نحسب أن 18 خوليو يستحقها للاعتبار والاعتذار: الاعتبار بهذا اليوم الذي غير مجرى تاريخ بلادنا وبلاد إسبانيا، والاعتذار لمن شارك في تلك الحرب بالكف عن نعته بـ"الارتزاق"، ورمي "الأموات" بتهم لا نملك عنها الكافي من الأدلة، والتماس العفو من الحقائق كما جرى تصورها ذات 18 خوليو.
وإلى حين ظهور من ينهض بالإجابة عن هذه الأسلة، دعونا نترحم على "الروبيو" الطنجي"، والقايد "الهواري"، وسرخينتو "المصاوري"، والكابو "الغزواني، والكابو "محمد بن قدور الورياغلي"، والكابو "عبد الله عمر محمد"، ورفاقهم في السلاح "عمر بن محمد حمادي"، و "عبد السلام المتيوي"، و "عبد السلام الشريف" و"مسعود بن محمد اليطفتي"، و"عبد السلام التسولي"، و"أحمد المساري"، و "بوشتى بن عبد الله الزروالي"، و"علي البوعزيزي" وسائر إخوانهم الذين قضوا في العدوتين. وبارك الله في عمر الكابو "عباس الدكالي الفرجي"، و "محمد بن علي الهيشو"، و "با عبد السلام" حارس فرانكو وسائر الذين لا نعرفهم، ولكنهم ذاقوا من مرارة 18 خوليو سمه الزعاف.
 
صورة لأحد المشاركين المغاربة في الحرب الأهلية