المخيمات الصيفية في حاجة ماسة إلى قطيعة مع البرامج القديمة

المخيمات الصيفية في حاجة ماسة إلى قطيعة مع البرامج القديمة التخييم التربوي في المغرب دعوة لتجديد النموذج وتكريس البحث العلمي
تعتبر تجربة‭ ‬التخييم‭ ‬بالمغرب‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬عقود،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تجربة‭ ‬غنية‭ ‬راكمت‭ ‬رصيدا‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬والخبرات، رغم أن‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬لم‭ ‬تتحول‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬«معرفة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬مؤسساتي». ‬بل‭ ‬ظلت‭ ‬رهينة‭ ‬المنجز‭ ‬الموسمي،‭ ‬«تستهلك‭ ‬ولا‭ ‬تؤرشف،‭ ‬وتمارس‭ ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬للدرس‭ ‬والتحليل»،‭ ‬حيث‭ ‬ينتصب‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭ ‬حسب‭ ‬الخبراء‭ ‬والباحثين‭ ‬الميدانيين:‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي‭ ‬ومجالاته‭ ‬يشتغل‭ ‬بمنطق‭ ‬التجريب،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يدرج‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬البحث‭ ‬وبناء‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية؟
 
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يستغرب‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي‭ ‬كون‭ ‬أن‭ ‬مضامين‭ ‬تكوين‭ ‬منشطي‭ ‬ومديري‭ ‬المخيمات‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬«ما‭ ‬زالت‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬إرث‭ ‬فرنسي‭ ‬كلاسيكي‭ ‬تعود‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬الحماية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تجاوزت‭ ‬فيه‭ ‬فرنسا‭ ‬نفسها‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬وأدخلت‭ ‬إصلاحات‭ ‬عميقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفلسفة‭ ‬التربوية‭ ‬والمقاربات‭ ‬البيداغوجية‭ ‬ومهن‭ ‬التنشيط‭. ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬جامدة‭ ‬وفي‭ ‬سيرورة‭ ‬متكررة‭. ‬يتم‭ ‬نسخه‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاجه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬تكوينية‭ ‬دون‭ ‬مراجعة‭ ‬جذرية»
 
إن‭ ‬ملف‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي‭ ‬المطروح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬يروم‭ ‬الترافع‭ ‬العلمي‭ ‬والمنهجي‭ ‬والهندسي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬قطيعة‭ ‬معرفية‭ ‬وتربوية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الإرث،‭ ‬لا‭ ‬بإنكاره،‭ ‬وإنما‭ ‬بتجاوزه‭ ‬وتحيينه‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬تكوين‭ ‬يستمد‭ ‬جذوره‭ ‬من‭ ‬«واقع‭ ‬الطفل‭ ‬المغربي،‭ ‬من‭ ‬مدرسته،‭ ‬من‭ ‬ثقافته،‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬واقعه،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬ـ‭ ‬محتوى‭ ‬ـ‭ ‬عمره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن»‭.‬
 
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تترافع‭ ‬نفس‭ ‬الفعاليات‭ ‬التربوية‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اعتماد‭ ‬هندسة‭ ‬تكوين‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬ومترابطة‭ ‬تشمل‭ ‬«التصميم،‭ ‬التنظيم،‭ ‬التنفيذ،‭ ‬والتقويم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التخييم»‭. ‬حيث‭ ‬تطالب‭ ‬بـ‭ ‬«التمييز‭ ‬بين‭ ‬تكوين‭ ‬المنشط‭ ‬والمدير‭ ‬والمكوِّن،‭ ‬مع‭ ‬تخصيص‭ ‬مسارات‭ ‬متمايزة‭ ‬بحسب‭ ‬الوظائف‭ ‬والكفايات»‭. ‬مستحضرة‭ ‬ركائز‭ ‬هندسة‭ ‬التكوين‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬«بيداغوجيات‭ ‬حديثة،‭ ‬وموارد‭ ‬تربوية‭ ‬متعددة‭ ‬الوسائط،‭ ‬واعتماد‭ ‬خطط‭ ‬تكوين‭ ‬مستمر،‭ ‬بدل‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬التكوين‭ ‬القاعدي»‭.‬
 
ويرى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخبراء‭ ‬بأن‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬مدعوّة‭ ‬لتكون‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المرجعيات‭ ‬البيداغوجية‭ ‬والتأطير‭ ‬العلمي‭ ‬للتكوين‭. ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الجمعيات‭ ‬«تمتلك‭ ‬الرأسمال‭ ‬التجريبي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستثمر‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الدلائل‭ ‬والبرامج»‭. ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬إلزاميا‭ ‬إرساء‭ ‬جسور‭ ‬تعاون‭ ‬منهجية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬عبر‭ ‬شراكات‭ ‬بحث‭ ‬وتكوين‭ ‬وإشراف‭ ‬مشترك‭ ‬على‭ ‬التكوينات‭.‬
 
إن‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬خدمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ـ‭ ‬بين‭ ‬قوسين‭ ‬ـ‭ ‬تقدم‭ ‬لفائدة‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬خلال‭ ‬العطل‭ ‬وفي‭ ‬حدود‭ ‬الممكن،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬علميا‭ ‬كمرفق‭ ‬عمومي‭ ‬مستدام،‭ ‬يحصن‭ ‬الحياة‭ ‬ضد‭ ‬العبث،‭ ‬ويمنع‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬خصومة‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬ستدرك‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬باعتبارها‭ ‬آليات‭ ‬لصياغة‭ ‬علاقات‭ ‬إنتاجية‭ ‬منصفة‭ ‬وتكاملية،‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬تفعيلها‭ ‬وتأمينها،‭ ‬بشكل‭ ‬عادل،‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬الجماعة‭ ‬الإنسانية‭. ‬ـ‭ ‬حسب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخبراء‭ ‬والباحثين‭ ‬ـ‭ ‬الذين‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنه‭ ‬«لا‭ ‬قدرة‭ ‬لأي‭ ‬معرفة،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬إداري‭ ‬أو‭ ‬تربوي،‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬الاحتياجات‭ ‬وإشباعها‭ ‬بشكل‭ ‬متحضر‭ ‬يحترم‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بحث‭ ‬علمي‭.‬»‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬«سيساعدنا،‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬مناهج‭ ‬وبرامج،‭ ‬ووضع‭ ‬هندسات‭ ‬زمنية‭ ‬وبنائية‭ ‬وعلاقية،‭ ‬ترتقي‭ ‬بجهد‭ ‬الإنسان‭ ‬وتصونه‭ ‬ضد‭ ‬الهدر‭ ‬والإلهاء»‭.