عبد الإله حسنين: المخيمات حاجة مجتمعية وحل لمشكل العطلة

عبد الإله حسنين: المخيمات حاجة مجتمعية وحل لمشكل العطلة عبد الإله حسنين ومشهد لمخيم
إيمانا بالدور الهام الذي تلعبه المخيمات التربوية في حياة الطفولة المغربية ولا سيما الفئات المتواضعة والهشة اجتماعيا، واعتبارا لكون التخييم حق من حقوق الطفل وليس امتيازا لفئات دون أخرى، حسب ما تنص عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وافقت عليها المملكة المغربية منذ البدايات، أيا كان مستواه ومكانته في المجتمع؛ فإننا سنضل نناضل دوما وأبدا من أجل تحقيق هذا الهدف.
 
ومن باب الاعتراف أن المخيم يمكن اعتباره ومنذ الخمسينات مختبرا حقيقيا للتنمية البشرية، فقد أصبح الجميع يدرك أن التجربة المغربية في مجال التخييم التربوي لها خصوصيتها، وأنها أسست لنفسها خطا استراتيجيا شكلا ومضمونا. وكلما ازداد الاهتمام والوعي بأهمية هذا الموضوع، كبر السؤال حول العملية التخييمية بفضاءاتها وتجهيزاتها وإعدادها وتأطيرها وشركائها، وعلاقة كل هذا بتنشئة الأطفال واليافعين والشباب، وظلت استراتيجية عملنا تعتمد هذا المنطق الذي يلائم بين المبدأ والتطبيق، واتخذنا من النشاط التخييمي محطة تتويجية لأنشطتنا السنوية وحلقة من حلقات مشروعنا التربوي الكبير، وظلت جمعيات اتحاد المنظمات التربوية المغربية متمسكة بهذا المجال التربوي الهام، مدافعة ومرافعة ومؤسسة لثقافة جديدة تستجيب لانتظارات وتطلعات الطفولة والشباب، وإعادة الاعتبار لدور المخيم والحفاظ عليه لأنه - في اعتقادنا الراسخ - لبنة أساسية في تنمية وتقدم العنصر البشري، ومكونا رئيسيا في تنشئة الأطفال والشبابتربويا واجتماعيا.
 
إن الشعار الذي أصبح الجميع يحمله ويتكلم عنه ويعتبره ملكا له من الجمعيات والشركات ومختلف القطاعات المهتمة بمجالات التخييم، وحتى من داخل القطاعات الوصية، وهذا شئء مهم للمجتمع؛ هو شعار خرج من أحد مؤتمرات حركة الطفولة الشعبية، واعتمدته الجمعيات الوطنية الصديقة والشقيقة، وهو الذي يؤكد على أن التخييم حق وليس امتياز وهو شعار لا زال حيا، له أهميته وراهنيته بحكم أن الدولة ومختلف مؤسساتها لا تعير أدنى الاهتمام ولاسيما اليوم إلى ضرورة توفير مقعد بمخيماتنا لكل طفل وصل سن الاستفادة من الخدمة العمومية التي يقدمها المخيم لا فرق بين الذكور والإناث ولا بين القرى والمدن ولا بين المتمدرسين وغيرهم ولا بين أبناء الفئات الهشة والمتواضعة وأطفال الفئات المتوسطة والميسورة.
 
فمنذ أكثر من 30 سنة ونحن ننادي ونطالب الدولة بضرورة مأسسة أنشطة الوقت الحر طيلة السنة وليس فقط خلال العطلة الصيفية، على اعتبار أن مؤسسة الوقت الحر هي أيضا مؤسسة للتنشئة الاجتماعية وللتربية الشعبية، وقد سبق أن حللنا هذا الموضوع وناقشناه طولا وعرضا، وسجلنا أن نجاحه يقتضي تضافر جهود كل المكونات والقطاعات. فعلى الجماعات المحلية بناء مراكز الترفيه والتخييم والوقت الحر، وعلى وزارة الشباب والثقافة والتواصل إصدار القوانين والرخص لعملية تدبير وتسيير هذه المراكز، وعلى الجمعيات التي تشتغل كليا أو جزئيا في مجالات التربية والتنشيط أن تعمل على تكوين الأطر والمنشطين والمدراء والمكلفين بالتغذية، وعلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن ترخص لاستعمال المؤسسات التعليمية خلال العطل المدرسية وأوقات الفراغ التي تفوق 160 يوم عطلة، وعلى الأسر المغربية أن تعمل على تسجيل أبنائها في مختلف الأنشطة المنظمة من خلال مؤسسة الوقت الحر بدعم من المؤسسات المسؤولة على الحماية الاجتماعية للعائلات.
 
إن تأسيس منظومة استثمار الوقت الحر تقوم على إبراز أهمية هذا الوقت في تكوين الأفراد من أجل الإسهام الفعلي في مجال العمل والإنتاج، وإعطاء الأولوية لتوزيع الخدمات أثناء الوقت الحر في صياغة وبلورة سياسة واضحة المعالم والأهداف، واعتماد البرامج والأنشطة المقدمة خلال الوقت الحر من أجل إتاحة فرص الاختيار للأطفال وفق ما يلائم حاجياتهم، وإعطاء برامج استغلال الوقت الحر بعدا مجتمعيا يرسخ الاهتمام والعناية به، من خلال وضع سياسة محكمة لاستغلال فضاءات التنشيط تمكن من توسيع نطاق للفرص المتاحة للأطفال لاستغلال الوقت الحر.
إن التفكير في طريقة جديدة لاستعمال مختلف المؤسسات التعليمية والاجتماعية التي تتوفر فيها إمكانات استقبال الأطفال أثناء الوقت الحر لوضع هذه الفضاءات خلال أوقات معينة لفائدة المؤسسة التنشيطية والجمعيات التربوية لتطبيق برامجها لفائدة الطفولة، وتوسيع مجال التشريع الذي ينظم قطاعي الطفولة والشباب لإعطاء إمكانيات أكثر للجمعيات لتتبع ممارسة أنشطة ملائمة وسط مناخ صحي وسليم؛ من شأنه أن يبني ركائز مؤسسة وطنية للوقت الحر والتنشيط التربوي. وذلك من خلال تدخل الحكومة عن طريق المشروعات العامة لتوفير خدمات الوقت الحر لجميع الأطفال، وتعاون المجالس المحلية المنتخبة مع المشروعات العامة عن طريق توفير أراضي لإقامة مساحات خضراء ومراكز للهواء الطلق وحدائق للأطفال في المدن والقرى، وتشجيع البحث العلمي في ميدان سوسيولوجية الوقت الحر.
 
وقد ساهمت الجمعيات التربوية الوطنية المهتمة كليا بهذا المجال، وكفاعل أساسي في مختلف التغييرات التي عرفها القطاع، وكقوة اقتراحية وعملية بدون خلفيات مسبقة (مشروع خرزوزة مثال حي على أرض الواقع). وطرحنا أن البداية يجب أن تنطلق من فضاءات التخييم التي هي في حاجة إلى تأهيل مستمر ودائم بدل التأهيل الخاضع لحسابات المرحلة وبدل تبذير المال العمومي بدون حسيب ولا رقيب وبدل التفكير في تفويتها لجهات تجارية وربحية. وهو ما ظهر جليا عندما لاحظنا عدم مسايرة الأعداد المقررة مع الحمولة الحقيقية للفضاءات، الشئ الذي دفعنا إلى تسجيل ذلك في مختلف اللقاءات التي جمعتنا بمختلف المسؤولين على قطاع الشباب، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا على المشاريع البيداغوجية والأنشطة العامة بالمخيم، لأن البرامج هي التي تحدد نوع البنيات التحتية وهندسة الفضاءات، وهو ما يدعونا إلى استحضار مفهوم النوع والجودة في الخدمات التي يقدمها فضاء التخييم. كما أكدنا وسجلنا ضرورة الاهتمام الحقيقي والجدي بواقع التسيير والتدبير بمراكز التخييم، وضرورة تأهيل العنصر البشري في مختلف التخصصات، وإجبارية انخراط القطاعات المتدخلة من أجل توفير الخدمات الضرورية والمصاحبة للعملية التخييمية. كما نبهنا إلى أن مجال التخييم الذي عرف تحولات عميقة ومهمة لم يواكبه تشريع قانوني وهو ما يظهر جليا في غياب مراسيم وقوانين ملزمة مما يفتح المجال لصدور مذكرات تحكمها الخلفية المرحلية فنحن في حاجة إلى إصدار مدونة تنظم قطاع المخيمات وما يحيط به من دورات تكوينية ونصوص لتأمين وحماية الأطفال والمراهقين والأطر التربوية، فبدون أطر مؤهلة لا يمكن إنجاح المشروع لأن العنصر البشري هو الدعامة الأساسية لتحقيق ما نطمح إليه.
 
إن التخييم هو مؤسسة متكاملة واستمرار لنضالنا التربوي وممارسة تربوية واعية فعالة وذات أبعاد أخلاقية وحق مشروع بانتمائه لحقوق الطفل التربوية وحاجة مجتمعية وحل لمشكل العطلة.