الحسين معنان: العدو ليس الكارديان البسيط.. بل اللوبي المتخفي تحت عباءة القانون

الحسين معنان: العدو ليس الكارديان البسيط.. بل  اللوبي المتخفي تحت عباءة القانون الحسين معنان
في لحظة يُفترض أن تكون الدولة منشغلة بتنظيم المهن الهشة، وتمكين الفئات الاجتماعية من العمل في كرامة، يفاجئنا البعض  بحملات مُوجَّهة ضد حراس السيارات، يُصوِّرونهم كغزاة للملك العام، ويزرعون في أذهان المواطنين أن مواقف السيارات أصبحت "مجانية بقرار من الداخلية".
 
لكن الحقيقة شيء آخر تمامًا: المجانية لم تكن يومًا سوى شعارًا لتخدير الرأي العام، تمهيدًا لتسليم المرافق العمومية لشركات خاصة محمية، تحت غطاء قانوني زائف.

ظهرت في الأسابيع الأخيرة موجة من التصريحات، سواء من داخل البرلمان أو عبر بعض المواقع الصحفية، تتحدث عن "قرار الداخلية بجعل مواقف السيارات مجانية"، خصوصًا في الشواطئ.

لكن ما لم يُقل للناس هو أن هذه الخطوة مؤقتة ومحدودة جغرافيًا، ولا تشمل المدن ولا المواقف المنظمة بدفاتر تحملات محلية.
 
ومع ذلك، استُغلت هذه التصريحات لشنّ حملة تحريضية ضد “الكارديانات”، وإيهام الناس بأنهم أصبحوا غير قانونيين، بينما الحقيقة أن العديد منهم يشتغلون وفق رخص ومساطر قانونية صادق عليها مجلس المدينة.
 
من الملاحظ أن البعض بدأ يتصدر المشهد، بتصريحات نارية عن "احتلال الملك العام"، "الفوضى"، و"الابتزاز"، بل منهم من دعا إلى "تجريم المهنة" دون تمييز بين من يشتغل وفق القانون، وبين من يشتغل عشوائيًا.
 
الغريب في الأمر أن هؤلاء لا يتحدثون إطلاقًا عن الشركات الكبرى التي تستولي على الملك العام تحت غطاء "شركات التنمية المحلية"، ولا ينتقدون التجاوزات المالية والإدارية التي وقفت عليها تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
 
وكانت جماعة أكادير التي  يترأسها عزيز أخنوش قد أعلنت  أن مواقف السيارات ستُصبح مجانية وبعد عام واحد فقط، ظهرت شركة خاصة لتدبير المواقف، بأثمنة مضاعفة، وبأجهزة ذكية.
 
هذا السيناريو يُعاد الآن في الدار البيضاء، حيث نُلاحظ الصمت الغريب عن شركة "البيضاء للتنمية بيئة"، التي رفضت تقديم تقريرها المالي السنوي، وتعرضت لانتقاد مباشر من طرف والي جهة الدار البيضاء – محمد مهيدية، بسبب تغوّلها وعدم احترامها للشفافية.

التقارير تتحدث عن ارتباط هذه الشركات بـ"مؤسسة الإيداع والتدبير" (CDG)، التي أصبحت ذراعًا مالية قوية تتغلغل في الجماعات المحلية، وتتحكم في الصفقات والمرافق عبر شركات التنمية، بعيدًا عن الرقابة الشعبية أو الانتخابية.
 
العدو ليس الكارديان البسيط، بل هذا اللوبي المتخفي تحت عباءة القانون، والذي يسعى لتحويل كل زاوية في المدينة إلى "مشروع مدرّ للربح" على حساب المواطنين البسطاء.
 
الفصل 83 من القانون التنظيمي للجماعات (113.14) يُجيز تفويض تدبير المرافق، ومنها مواقف السيارات، لشركات خاصة، مقابل تسعيرة محددة وفق دفتر تحمّلات.
والفصل 27 من الدستور المغربي يُلزم المؤسسات العمومية بالشفافية وتقديم التقارير للعموم.
 
فلماذا إذن تُقمع الأصوات التي تطالب بتطبيق هذا القانون على شركات التنمية؟ ولماذا لا يُفتح تحقيق في تجاوزاتها؟

نحن لسنا ضد التنظيم، ولسنا ضد المراقبة، بل نطالب بها منذ سنوات.
لكننا نرفض أن يتم استعمال القانون كواجهة لتهريب المرافق العمومية نحو الخواص،حراس السيارات ليسوا قطاعًا طفيليًا، بل فئة تشتغل في الشمس والمطر، وتؤدي مهامًا أمنية وتنظيمية في غياب البديل.
 
إذا كنتم فعلاً مع الحق، فابدؤوا بفتح ملفات الفساد الحقيقي، لا بمطاردة من لا يملكون سوى سترة صفراء وقوت يومهم.
 
والله ولي التوفيق ...ويهدي إلى الصواب

الحسين معنان/ فاعل نقابي وجمعوي في قطاع حراسة السيارات