في مشهد يبدو سرياليًا بالنظر إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن تخصيص مليار دولار كهبة موجهة لدول إفريقية، تحت غطاء دعم مشاريع البنية التحتية. غير أن خلف هذا العنوان "الإنساني الجميل"، تكمن حقيقة سياسية مُرّة لا تخفى على المتابعين: شراء مواقف سياسية داعمة لجبهة البوليساريو، حتى وإن كلف ذلك الشعب الجزائري قوت يومه.
رشوة دبلوماسية تحت غطاء التنمية
لم يعد خافيًا أن النظام الجزائري يستخدم الأموال العامة وسيلةً لشراء الذمم السياسية في الساحة الإفريقية، في محاولة بائسة لفرض شرعية "دولة البوليساريو" وخلق دعم وهمي لها في المحافل الدولية. فالعديد من هذه الدول الإفريقية تعاني من فقر مدقع وديون ضخمة، ويكفي إغراؤها بالمساعدات والهبات لانتزاع موقف "سياسي" على الورق، دون أي التزام حقيقي أو دائم.
وهكذا تتحول أموال الجزائريين إلى أداة للابتزاز السياسي المتبادل، يُراد منها فقط تسجيل نقاط دبلوماسية لصالح البوليساريو، حتى وإن كان الثمن هو حرمان الشعب من تنمية حقيقية وعدالة اجتماعية.
أولويات مغلوطة ونظام منفصل عن شعبه
في الوقت الذي تُخصّص فيه المليارات لدول إفريقية لا يعرف المواطن الجزائري عنها سوى اسمها، تتدهور أوضاع الصحة والتعليم والسكن والقدرة الشرائية.
بل إن الأسوأ من ذلك، أن هذه "الهبة" تأتي في وقتٍ تفرض فيه الدولة تقشفًا مقنّعًا على مواطنيها، وتحارب المطالب الاجتماعية بحجة ضعف الإمكانيات.
فكيف يُعقل أن تُهدر هذه الثروة الهائلة على مغامرات دبلوماسية فاشلة، في حين يُترك الشباب عاطلًا، والمرضى يموتون بسبب نقص الدواء، والجنوب يعيش تهميشًا مزمنًا؟
البوليساريو: ورقة محترقة تُكلّف الجزائر غاليًا
رغم تغير موازين القوى الدولية، لا يزال النظام الجزائري متمسكًا بورقة البوليساريو كما لو كانت قضية حياة أو موت، في وقتٍ يتقلص فيه الاعتراف الدولي بالصحراء الغربية كمشكلة منفصلة، وتكتسب فيه مبادرات الحكم الذاتي دعمًا متزايدًا.
لكن بدل مراجعة السياسات الخارجية وفق المتغيرات، يضاعف النظام من تمويلاته السرية والمعلنة لدعم هذه القضية المعزولة، عبر شراء مواقف دول إفريقية مقابل المساعدات، رغم علمه المسبق بأن هذه الولاءات تنهار بسرعة بمجرد توقف التمويل.
الخاتمة: التضامن الحقيقي يبدأ من الوطن
إذا كان الرئيس تبون يريد فعلًا أن يتحدث باسم إفريقيا ويدافع عن التضامن الإفريقي، فليبدأ بتضامن دولته مع شعبها أولًا، ومع شبابها الذين يركبون قوارب الموت هربًا من اليأس، ومع المناطق المهمشة التي لم ترَ تنمية منذ الاستقلال.
أما الاستمرار في سياسة شراء المواقف عبر المليارات فلن يُكسب الجزائر احترام القارة، بل سيزيدها عزلة واحتقارًا من الشعوب التي تدرك جيدًا أن "الكرم السياسي" الذي لا ينعكس على الداخل، ليس سوى نفاق دولي بأموال الفقراء.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري – لندن