عبد الغني صبري: الصّحراء ليست قضية تصفية الاستعمار.. وهذا ما يجب التركيز عليه

عبد الغني صبري: الصّحراء ليست قضية تصفية الاستعمار.. وهذا ما يجب التركيز عليه عبد الغني صبري، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس، الرباط
هناك‭ ‬تحوّلات‭ ‬مفصلية‭ ‬عرفها‭ ‬ملف‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات،‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬توالي‭ ‬الاعترافات‭ ‬واعترافات‭ ‬الدول‭ ‬الدائمة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬وهي:‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭. ‬هناك‭ ‬معطيات‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬لحسابات‭ ‬سياسية‭ ‬ولتوازنات‭ ‬جيوسياسية،‭ ‬فهي‭ ‬تذهب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬كما‭ ‬يعكسه‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬27-56‭. ‬وبالتالي‭ ‬فاليوم‭ ‬هذا‭ ‬المآل‭ ‬وهذه‭ ‬الاعترافات‭ ‬المتوالية‭ ‬يوجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة،‭ ‬لأن‭ ‬اللّجنة‭ ‬الرّابعة‭ ‬كآلية‭ ‬دولية‭ ‬للحوار‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالّنزاعات‭ ‬التي‭ ‬خلّفها‭ ‬الاستعمار،‭ ‬فقضية‭ ‬الصحراء‭ ‬أصلا‭ ‬ليست‭ ‬قضية‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وهي‭ ‬المسألة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬عليها‭.‬

هناك‭ ‬مسألة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬الانفصال،‭ ‬بل‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬وهو‭ ‬أنّ‭ ‬الدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبذل‭ ‬كل‭ ‬جهدها‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الثّنائي‭ ‬المتعدّد‭ ‬الأطراف‭ ‬داخل‭ ‬المنظّمة‭ ‬الدولية‭ ‬حتى‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬استقلاله‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬المستعمر،‭ ‬أي‭ ‬إسبانيا‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬تم‭ ‬طردها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬للمغرب‭ ‬بهاته‭ ‬القضية،‭ ‬فالمغرب‭ ‬في‭ ‬صحرائه،‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬ممارسة‭ ‬سيادته،‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬للاستعمار‭ ‬في‭ ‬الاختصاص‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الامتداد‭ ‬الترابي‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسيادة‭ ‬الواحدة‭.  ‬وبالتالي‭ ‬فالمشاريع‭ ‬التي‭ ‬أنجزها،‭ ‬والتي‭ ‬يشكل‭ ‬أساسه‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الذي‭ ‬سنه‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬هي‭ ‬نجاحات‭ ‬ستدعم‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة‭.‬

قضية‭ ‬ثانية‭ ‬تدعم‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاعترافات‭ ‬المتتالية‭ ‬والمتوالية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬صدرت‭ ‬عبر‭ ‬بيانات‭ ‬وعبر‭ ‬قرارات‭ ‬أو‭ ‬مؤتمرات‭ ‬صحفية‭ ‬أو‭ ‬بلاغات‭ ‬ونحوها،‭ ‬لكن‭ ‬تمّ‭ ‬تجسيد‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بافتتاح‭ ‬عشرات‭ ‬القنصليات‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭  ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يمارس‭ ‬سيادته‭ ‬على‭ ‬ترابه،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬استثمارات‭ ‬وطنية‭ ‬وأجنبية‭ ‬داخل‭ ‬هاته‭ ‬الأقاليم،‭ ‬كميناء‭ ‬الداخلة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الكبرى‭ ‬المهيكلة،‭ ‬وكلّها‭ ‬أمور‭ ‬ستشكل‭ ‬دعامة‭ ‬لهذا‭ ‬الملف،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المكتسبات‭  ‬والمحصنات‭ ‬تحقّقت،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬داع‭ ‬لوجود‭ ‬"المينورسو"‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬صحرائه‭ ‬يجسّد‭ ‬انسيابية‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحطات‭ ‬واللقاءات‭ ‬لإقناع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬فكيف‭ ‬للجزائر‭ ‬وصنيعتها‭ ‬البوليساريو‭ ‬التي‭ ‬تدافع‭ ‬نهارا‭ ‬جهارا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الانفصالي‭ ‬المرتبط‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أخذت‭ ‬بعلم‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬قد‭ ‬يجعلها‭ ‬تراجع‭ ‬مواقفها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬أخرى‭.‬

المسألة‭ ‬الأخرى‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التّركيز‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إخراجها‭ ‬أيضا:‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الضّوابط‭ ‬المؤثرة‭ ‬لسيادة‭ ‬للدول‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدول‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬السيادة‭ ‬واحدة‭ ‬والسيادة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ‭ ‬والسيادة‭ ‬لا‭ ‬تتقادم،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬الممارسة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬عندما‭ ‬بادر‭ ‬إلى‭ ‬الحل‭ ‬السياسي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭.‬‭ ‬فسكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬يمارسون‭ ‬شؤونهم‭ ‬النيابية‭ ‬وشؤونهم‭ ‬الجماعية‭ ‬وشؤونهم‭ ‬الترابية‭. ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬حاسمة‭.‬