أذربيجان والمغرب: نموذج شراكة يتطور ديناميكياً في شمال إفريقيا

أذربيجان والمغرب: نموذج شراكة يتطور ديناميكياً في شمال إفريقيا لاله خليلزاده - المستشارة القيادية في مركز تحليل العلاقات الدولية في باكو، جمهورية أذربيجان
تشهد أذربيجان والمغرب في الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أعلى مستويات الشراكة الاستراتيجية. وقد تعزَّزت هذه العلاقات بشكلٍ ملحوظٍ خلال العقود الثلاثة الماضية بفضل الإرادة السياسية لكلا البلدين وقيادتهما العليا.
 
في دجنبر من عام 1994، قام الزعيم الوطني حيدر علييف بزيارة إلى المملكة المغربية، بهدف المشاركة في الدورة السابعة لمؤتمر قادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي، التي عُقدت في مدينة الدار البيضاء. وقد وُضِعت أسس التعاون الثنائي بين أذربيجان والمغرب خلال اللقاء مع جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وذلك في إطار هذه الزيارة. وتتواصل اليوم هذه العلاقات الودية بنجاح تحت قيادة فخامة الرئيس إلهام علييف وجلالة الملك محمد السادس.
 
ولا تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب السياسي فحسب، بل تشهد أيضاً تطوراً ديناميكياً في المجالات العسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية. ويمكن اعتبار اتفاقية الشراكة العسكرية التي تم توقيعها هذا العام ذروة التقارب السياسي المستمر منذ سنوات طويلة بين باكو والرباط.
 
ففي 10 يناير 2025، صادق فخامة الرئيس إلهام علييف على اتفاقية التعاون العسكري بين أذربيجان والمغرب. وقد تمّ توقيع هذه الاتفاقية بين الحكومتين في 30 أكتوبر 2024، وكانت بمثابة أساس لتعزيز العلاقات في مجال الدفاع. وتشمل الاتفاقية عدداً من مجالات التعاون، من بينها التدريب، والمساعدة الفنية، والتدريبات المشتركة، وتبادل الخبرات، والأمن السيبراني، وصناعة الدفاع.
 
وتُلاحظ الديناميكية المتزايدة في العلاقات الثنائية خلال الفترة الأخيرة بشكل خاص في المجالين الاقتصادي والتجاري. فعلى سبيل المثال، تم تسجيل زيادة بنسبة 56 بالمئة في التبادل التجاري بين أذربيجان والمغرب في بداية عام 2025.
 
هذا الارتفاع ارتباطاً وثيقاً بالالتزامات التي تم الاتفاق عليها خلال الدورة الثانية للجنة المشتركة الأذربيجانية–المغربية، التي عُقدت في شهر نونبر من عام 2023 في مدينة الرباط.
 
وخلال اللقاء، توصّل وزير الخارجية الأذربيجاني، جيهون بايراموف، ونظيره المغربي، ناصر بوريطة، إلى تفاهمات بشأن توسيع التعاون في مجالي الطاقة واللوجستيات، كما تم التأكيد على أهمية تسريع عملية التصديق على الوثائق اللازمة لتشكيل الإطار القانوني للتعاون الاقتصادي.
 
إن ازدياد حجم التجارة لا يعكس فقط تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، بل يدل أيضاً على الجهود المبذولة لتوسيع العلاقات الاقتصادية من خلال تنويع القطاعات، ولا سيما التعاون في مجالات الطاقة واللوجستيات والصناعة.وتُشكّلُ قاعدة هذا المسار حواراً مستمراً بين الهياكل الحكومية وقادة الأعمال على حد سواء.
 
كان قطاع السياحة من أكثر المجالات التي شهدت تطورًا في العلاقات الثنائية خلال هذا العام. فقد ارتفع عدد السيّاح القادمين من المغرب إلى أذربيجان بنسبة 54 بالمئة خلال الفترة من يناير إلى مايو 2025، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024، ليصل إلى قرابة 1500 زائر.
 
لقد أدّى تطبيق نظام الإعفاء من التأشيرات بين البلدين دوراً مهماً في الزيادة الملحوظة في تبادل السياحة. ففي يوليو من العام الماضي، صادق الرئيس إلهام علييف على "الاتفاقية بين حكومة جمهورية أذربيجان وحكومة المملكة المغربية بشأن الإعفاء من متطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر العادية".
 
إن تطبيق نظام الإعفاء من التأشيرات في 28 أغسطس من العام الماضي — الذي يصادف الذكرى الثانية والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية — يرمز إلى عمق الأخوة والاحترام المتبادل بين الشعبين.
 
في إطار اللقاءات الثنائية التي جرت هذا العام، انعقد اجتماع في شهر أبريل. في السادس من أبريل، التقت السعادة صبيحة قافاروفا، رئيسة الجمعية الوطنية، خلال زيارتها الرسمية لأوزبكستان، بسيدي محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين في مملكة المغرب.
 
تم التأكيد على أن العلاقات بين أذربيجان والمغرب تقوم على الاحترام المتبادل، مع الإشارة بشكل خاص إلى تطور العلاقات في المجال السياسي. كما تم التأكيد على أن الدولتين تتعاونان ضمن المنظمات الدولية وتقدم الدعم المتبادل لبعضها البعض على مختلف المنصات. وتجدر الإشارة إلى أن البلدين يتعاونان ضمن المنظمات الدولية، لا سيما منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز.
 
واحدة من الجوانب الاستراتيجية للعلاقات الثنائية هي تعميق التعاون العلمي والتحليلي. وفي هذا الصدد، تترافق التفاهمات بين أذربيجان والمغرب مع إقامة روابط بين معاهد الفكر التحليلي - مراكز الدراسات.
 
يجدر بالذكر بشكل خاص أن مذكرة تعاون وُقّعت عام 2024 بين مركز تحليل العلاقات الدولية في مدينة باكو ومعهد أمديوس الواقع في مدينة الرباط. وضمن إطار هذا الاتفاق، يشارك الطرفان بنشاط في الفعاليات الدولية التي تُعقد على مدار السنة، ويطرحان مناقشات تحليلية ومبادرات مشتركة.
ومن الأمثلة البارزة على هذا التعاون مشاركة وفد مركز تحليل العلاقات الدولية في المنتدى "ميد أيس" الذي نظمه المعهد في المغرب خلال عامي 2024 و2025. وفي الوقت ذاته، شارك ممثل عن معهد أمديوس في المنتدى الدولي الذي نظمه المركزمركز تحليل العلاقات الدولية في باكو في أبريل 2025 تحت عنوان "نحو نظام عالمي جديد"، وكذلك في المؤتمر الدولي الذي عُقد في مايو بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الإسلاموفوبيا، والذي حمل عنوان "الإسلاموفوبيا: كشف التحيزات وتفكيك الصور النمطية".
 
ومن خلال ما ذُكر، يمكن الاستنتاج أن البلدين يُظهران إرادة سياسية قوية في جميع المجالات التي تتيح فرصاً للتعاون المتبادل والمفيد. إذ لا تقتصر علاقات أذربيجان والمغرب على الروابط الدينية والثقافية فحسب، بل تشمل أيضاً مجالات استراتيجية مثل الاقتصاد والدفاع، في إطار تجربة تقوم على الاحترام المتبادل وتمثل نقطة تحول في مسار التعاون الثنائي.