فاس: حكم قضائي يُقِرّ بمسؤولية الدولة عن قتل الحيوانات الضالة

فاس: حكم قضائي يُقِرّ بمسؤولية الدولة عن قتل الحيوانات الضالة صورة أرشيفية
اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط أن عمليات قتل الكلاب الضالة بالرصاص، التي تقوم بها بعض البلديات، تُعد إخلالًا بالقوانين والاتفاقيات المتعلقة بحماية الحيوانات، وتُظهر تقاعسًا من السلطة المركزية في فرض احترام القانون. وتكمن أهمية هذا الحكم القضائي، الذي نشرته "المفكرة القانونية"، في كونه يُكرّس دور المنظمات غير الحكومية في التقاضي، في سياق الجدل الدائر حاليًا في المغرب حول إصلاح قانوني المسطرة المدنية والجنائية.

وقد كان لافتًا أن المحكمة أكدت، وبوضوح، أن هذه المنظمات "تُعتبر ذات صفة ومصلحة في إقامة الدعوى"، وأن ضررًا معنويًا لحق بها تمثّل في عجزها عن حماية هذه الكائنات، محل رسالتها، مما يبرر الحكم بتعويضها. كما يُكرّس هذا الحكم مبدأ مسؤولية الدولة عن حماية الحيوانات.

 

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 24 أبريل 2025، حينما تقدّمت جمعية "متحدون من أجل هذه المخلوقات"، في شخص ممثلها القانوني، بدعوى أمام المحكمة الإدارية بفاس، تُعرض فيها أن "الكلاب الضالة في مجموعة من مدن المغرب تتعرض للإبادة والتقتيل، وأن هذه العمليات الوحشية نتجت عنها مشاهد صادمة ومؤلمة، ومناظر لجثث كلاب مقتولة وبعضها مجروحة، وبقايا دماء على أرصفة الطرقات، وأن هذه الأفعال تمّت دون احترام للضوابط القانونية وبروتوكولات التعاون بين السلطات ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة"، والتي أُنجزت بهدف أنسنة التعامل مع الكلاب والقطط الضالة، من خلال اعتماد أسلوب حضاري وحقوقي أثبت فعاليته في الدول التي تحترم حقوق الحيوان.

كما أشارت العريضة إلى أن هذه العمليات تخرق الاتفاقية المبرمة سنة 2019 بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، والتي تهدف إلى اعتماد مقاربة جديدة لمعالجة ظاهرة الكلاب الضالة، تقوم على التعقيم والتلقيح بدل القتل والتعذيب. فضلًا عن أن هذه العمليات تتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، التي تحث على الرفق بالحيوان.

وأضافت الجمعية في عريضتها أن المادة 100 من القانون 13.114 المتعلق بالجماعات، تُخوّل لرئيس البلدية اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة الحيوانات الأليفة وجمع الكلاب الضالة، وأن المشرّع "استعمل عبارة جمع الكلاب الضالة وليس قتلها أو القضاء عليها". كما أن قاعدة التناسب تفرض أن يكون تدخل الإدارة مشروعًا وقانونيًا ومتناسبًا، استنادًا إلى القاعدة المعروفة: "لا تطلق النار على العصافير باستعمال المدافع"، مما يجعل مسؤولية وزارة الداخلية قائمة، باعتبارها السلطة الوصية على أعمال الجماعات الترابية في مجموع التراب الوطني.

وعليه، التمست الجمعية الحكم بالإيقاف الفوري لجميع عمليات القتل والإبادة للحيوانات الضالة، وأداء المدعى عليهم، تضامنًا، درهمًا رمزيًا، مع النفاذ المعجل وتحميلهم الصائر.

بتاريخ 13 يونيو 2025، أدلى الوكيل القضائي للدولة، بصفته نائبًا عن كلّ من رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والصحة، بمذكرة جوابية أكد من خلالها أن محاربة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة من مهام البلديات، وأن الجمعيات المدعية، وإن كانت لها صفة المطالبة بوقف عمليات قتل الكلاب الضالة، فإن من بين أهدافها أيضًا محاربة هذه الظاهرة، وهو ما لم تقم به. كما أنها لم تُثبت صفتها، ولا أن وزارة الداخلية أمرت بقتل الكلاب، ولم تثبت واقعة قتل هذه الحيوانات، مما يجعل الدعوى غير مقبولة. وأضاف أن الطلب ينطوي على توجيه أمر للإدارة، في حين أن مجال المحافظة على الصحة والأمن والسلامة من اختصاص البلديات، مما يجعل الدعوى موجهة ضد جهة غير معنية، خاصة وأن المادة 83 من القانون 13.114 تنص على أن الجماعة (أي البلدية) تتولى مهام الصحة والوقاية والنظافة العامة، ويشمل ذلك محاربة الحيوانات الضالة، مما يجعل وزارة الداخلية غير معنية بالنزاع، ويتعين بالتالي عدم قبول الطلب.

حكم المحكمة

فيما يخص طلب الوقف الفوري لعمليات قتل وإبادة الحيوانات الضالة، أكدت المحكمة أن الصيغة التي قُدم بها هذا الشق من الطلب تنطوي على منازعة في قرار إداري، والحال أن طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية، وفقًا للمادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، تقدم أمام قضاء الإلغاء، وليس أمام القضاء الشامل، الذي يختص بالبت في طلبات التعويض عن الأضرار التي تسببها الإدارة وفي بعض المنازعات التعاقدية، مما يجعله غير مقبول شكلاً.

أما بخصوص باقي الطلبات، فقد استجابت لها المحكمة، مستندةً إلى العلل التالية:

  • إن الوثائق المدلى بها كافية لإثبات صفة ومصلحة الجمعيات المدعية، كما أن الواقعة المؤسس عليها الطلب ثابتة. وتوجيه الدعوى ضد وزارة الداخلية بدل الجماعات الترابية المعنية يبقى مستندًا إلى أساس قانوني، نظرًا للمهام الرقابية والتوجيهية التي تمارسها الوزارة على هذه الجماعات.

  • بالرجوع إلى القانون التنظيمي رقم 14.113، وخصوصًا المادة 100 منه، فإن معالجة وضعية الحيوانات الضالة تدخل في صميم الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية، مما يجعلها مسؤولة عن كيفية تدبيرها لهذه الظاهرة. ووزارة الداخلية، في إطار مهامها الرقابية، ملزمة قانونًا وأخلاقيًا بالسهر على احترام الجماعات للقوانين الجاري بها العمل، خاصة في ما يرتبط بحماية البيئة والحيوان، لاسيما في الحالات التي تمس بمبادئ دستورية كونية.

  • إن عمليات إعدام الكلاب الضالة بالرصاص أو بالسم، دون سند علمي أو بيطري، تُعد إخلالًا بالقوانين والاتفاقيات المتعلقة بحماية الحيوانات، وتُظهر تقاعسًا من السلطة المركزية في فرض احترام القانون. علمًا أن الشريعة الإسلامية لا تُجيز قتل الكلاب إلا إذا شكّلت خطرًا مباشرًا ومؤكدًا، مثل نقل العدوى. وقد نهى الرسول ﷺ عن تعذيب الحيوان وأمر بالإحسان في القتل عند الضرورة.

  • إن الإدارة لا تُعفى من المسؤولية بمجرد سكوتها عن خرق يقع داخل نطاق نفوذها الرقابي، بل تلتزم بالتدخل الوقائي أو الزجري، وهو ما لم يحصل في النازلة. سيما وأن الوزارة المعنية كانت قد وقّعت اتفاقية إطار سنة 2019 مع كل من وزارة الصحة والمكتب الوطني للسلامة الصحية والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، تهدف إلى معالجة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة من خلال التعقيم والتلقيح والترميز، ما من شأنه الإسهام في استقرار عدد هذه الحيوانات والسيطرة على الظاهرة.

  • إن عدم إثبات الجهة المدعى عليها اتخاذها إجراءات عملية، في إطار مقاربة علمية وحقوقية، وعدم تدخلها لوقف عمليات القتل بالرصاص، يشكل مسؤولية تقصيرية تتمثل في الامتناع السلبي، وهو أحد أوجه انعدام المشروعية في العمل الإداري، مما يجعل مسؤوليتها قائمة.

  • إن الجمعيات المدعية، بصفتها جمعيات ذات نفع عام، تعمل على الدفاع عن القيم الكونية المتعلقة بالرفق بالحيوان، ولها صفة ومصلحة في إقامة الدعوى، وقد لحق بها ضرر معنوي متمثل في عجزها عن حماية الكائنات التي تُعنى بها، مما يبرر الحكم لها بتعويض رمزي قدره درهم واحد.

منطوق الحكم

قضت المحكمة الإدارية بالرباط بالاستجابة للطلب في شقه المتعلق بتحميل الدولة مسؤولية قتل الحيوانات الضالة، والحكم عليها، في شخص وزارة الداخلية، بأدائها للجهة المدعية تعويضًا رمزيًا قدره درهم واحد، مع تحميلها المصاريف.