حبيب سروري: التعليمُ الذي أتمنّاه لِبلداننا العربية في هذا القرن

حبيب سروري: التعليمُ الذي أتمنّاه لِبلداننا العربية في هذا القرن حبيب سروري

الجميع تقريبا، في بلداننا العربية، يتحدّث عن وضع التعليم العربيّ باعتباره سبباً رئيساً لتخلّفنا، وينادي بتغييره.

ممتاز!... لكن عند الدخول في نقاش مع الكثيرين حول تفاصيل التعليم البديل الذي يريدونه، لا نجد غالباً فرقاً ملموساً مع التعليم السائد في بلداننا.

السؤال الجوهريّ الملحّ الفاصل الذي يفرض نفسَه إذن:

ما هي المواصفات والملَكات التي نتمنى من المدرسة والجامعة، في هذا القرن الواحد والعشرين، أن تزرعَها وترفدَها في مقدرات الطالب (قبل بدئهِ سنوات التخصّص الجامعي)؟

(ملحوظة: عندما أقول الطالب، أقصد الذكر والأنثى معاً ضمناً، أي الطالب/ة، وذلك على نحوٍ مماثلٍ ومتساوٍ طبعاً)

 

ها هي الملَكات والمواصفات العشر المرجوّة، في تقديري وفي ضوء تجربتي:

1) طالبٌ ضليعٌ بالمعارف العلميّة العامّة، يمتلك روحاً نقديّةً عاليةً ومقدرةً على التفكير الحرّ والابتكار، مسلّحٌ بمعارفِ حضارةِ اليوم، في المجال العلميّ والتكنولوجيّ: الثقافة الخوارزمية، آليات عمل الذكاء الاصطناعي، الميكانيكا الكونتية تاريخها وآفاقها، الثورة البيولوجية...

 

2) طالبٌ يعشقُ الكتاب، يقرأُ كثيرا. غرسَت المدرسة في وجدانه شغفَ القراءة، بطرائق وتجارب تحبيبيّة راقية.

يستطيع تلخيصَ الكتب والروايات والأفلام، والحديثَ النقديّ عنها من وجهة نظره الخاصّة.

 يستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب ما يحبّ من الاقتباسات الشعريّة والأدبيّة عموما، وأن يستدلّ بها في سياقات أحاديثِهِ، يستنيرُ ويُنيرُ بها...

 

3) طالبٌ تزرع المدرسة والجامعة في وجدانه وعقله مداميكَ الثقافة الإنسانية. بها يستطيع مقاومة وقهر التقاليد والسياسات والأهواء العنصريّة والطائفيّة والمناطقيّة.

منهجُ حياته: «مبادئُ حقوق الإنسان»، المساواةُ بين الرجل والمرأة، الرقّةُ في العلاقات الغراميّة والإنسانيّة...

شِعارُه دوما: «أنا الآخر». الانتماءُ للمدينة، من منظورِهِ، ثقافيٌّ وليس عرقيّاً.

 

4) طالبٌ يجيد التمييزَ بين التاريخ الدينيّ (المؤسس على الأساطير والغيبيات) والتاريخ العلميّ (المؤسس على الحقائق المبرهنة، بدون أيّ مسلمات غيبيّة).

يُهِمُّهُ كشفَ حقائق الماضي (بعيداً عن تلفيق التاريخ الذي يكتبه المنتصرون) من ناحية، واستشرافَ اتجاهات المستقبل من ناحية أخرى موازية.

 

5) طالبٌ قادرٌ على تحليل الأخبار الدوليّة والمحليّة، على قراءة مؤشراتها والربط بينها، على استشفاف وإدراك «الفيك نيوز» والتضليل الإعلاميّ، وعلى خلق مسافةٍ، يجيدُ السيطرةَ عليها إيجابيّاً، بينه وبين «الشبكات الاجتماعية» على الإنترنت.

 

6) طالبٌ ابنُ عصرِه. يُدركُ طبيعةَ «المجتمعِ الاستعراضيّ» الذي نعيشه، آفاقَه ومطبّاتهِ وآثارَه على الوعي واللاوعي. يدرك عمقَ تداعيات الخلل البيئي الجاثم على كوكبنا، يتابع مؤشراتها، ويعمل قدر وسعهِ على الحفاظ على ما يمكن الحفاظُ عليه من المنظومة البيئية لِكوكبنا الحبيب...

 

7) طالبٌ له ملَكاتٌ رياضيّة وموسيقيّة، وحضورٌ في الفعاليات والمنتديات الثقافية...

 

8) طالبٌ له مشروعٌ شخصيٌّ متميّزٌ يهبهُ عقلَه وقلبَه، يوجِّهُ دفّةَ حياته العامّة والمهنيّة والخاصة.

 

9) طالبٌ مؤهّلٌ (بعد المدرسة وسنوات الدراسة الجامعية العامة) لدخول مرحلة التخصّص الجامعيّ أو البحث العلميّ. يكون قبلها قد اكتسب تقاليد العمل الجماعيّ والمشاريع المشتركة، عقليةَ البرهنة العلمية ومنهجيّةَ حلّ المشكلات، ثقافة تجسير المجالات المعرفيّة المختلفة وتوحيد ودمج المهارات، بجانب تراكم الخبرة التخصّصية.

 

10) طالبٌ يميلُ للتمرّد وليس للخضوع. يجيد قول: «لا» لرفض الاستعباد والتضليل والاستغلال، وكلِّ ما يمسّ كرامته، ويُقيّد حريّتَه وتطوّرَه.

 

من نافلة القول إن السؤالَ البالغَ الصعوبة هو: كيف الوصول لتحقيق ذلك؟

بيد أن نقاشَ هذه المواصفات، وقبولَها كأهداف للتعليم الذي نريده، ضروريٌّ أوّلاً قبل خوض مغامرة الردّ على هذا السؤال.

حبيب سروري، كاتب وروائي يمني مقيم في فرنسا