إذا كان كل مجتمع يتميز بسيطرة هذا المقدس أو ذاك، فإن القنطرة القديمة ALTE BRÜKE الموجودة على نهر "الماين " le Main، بمدينة فرانكفورت هي الحاضن للموروث المقدس الألماني، لدرجة أن المرء الذي يعبر هذه القنطرة عليه "الإكثار من التعاويذ" لطرد "الأرواح الشريرة"، تجنبا لانهيار القنطرة أو تجنبا لرميه في النهر "من طرف الجن"!
ففي الذاكرة الجماعية للألمان عامة ولسكان فرانكفورت Frankfurt am Mein وسكان ولاية هاسن Hessen خاصة، ظل النحس يطارد هذه القنطرة منذ إحداثها في مطلع القرن 13. علما أن القيمة الاستراتيجية لهاته القنطرة لم ترتبط بكونها منشأة فنية تربط بين ضفتي نهر "الماين"، وبالتالي الربط بين الأحياء القديمة لفرانكفورت في العصر الوسيط فحسب، بل ظلت تكتسي أهميتها على امتداد سبعة قرون، لأنها كانت المعبر الوحيد بين شمال وجنوب ألمانيا. وهو ما جعلها هدفا للمتمردين ضد الملوك والقياصرة الألمان من جهة، وجعلها هدفا لنسفها من طرف الجيوش التي كانت تحارب على مر التاريخ من عهد ألمانيا القيصرية إلى أواخر عهد ألمانيا النازية من جهة ثانية، فضلا عن كونها ظلت المقصلة التي يعدم فيها المعارضون والخارجون عن القانون ورمي جثثهم في النهر بعد الإعدام من جهة ثالثة.
إذ منذ إحداث هذا القنطرة في 1222( في الأول كانت مبنية بالخشب قبل أن تبنى بالحجر في القرن 15)، تعرضت للنسف والتفجير أكثر من 22 مرة. وفي كل مرة كان يعاد بناؤها بالكامل.
ومن أشهر المحطات التي أدت إلى حرق القنطرة أو نسفها من طرف المتمردين والجيوش، أذكر محطات السنوات التالية: 1235،1414،1635،1740،1765،1801،1813،1890،1924، تم محطة الحرب العالمية الثانية حين قام جيش هتلر في مطلع 1945 بنسف هذه القنطرة وتفجيرها لوقف زحف قوات الحلفاء على باقي تراب ألمانيا. وهو ما أدى إلى إعادة بنائها بالشكل الحالي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في إطار مخطط ماريشال الأمريكي لإعادة إعمار البلد. وفي سنة 1965 أعيد صيانتها وترميمها، قبل أن تخضع للتجديد والصيانة مرة أخرى عام 2016.
النحس الذي يطارد القنطرة القديمة ALTE BRÜKE بفرانكفورت، لا يرتبط بهذه النتوءات التاريخية فقط، بل لكون الأسطورة الألمانية تخبرنا أن المهندس المكلف ببناء القنطرة عام 1222، لما تأخر في إخراج الورش لحيز الوجود، وخوفا من بطش الحاكم آنذاك، استنجد بالجن.
وتقول الأسطورة الألمانية أن الجن قبل مساعدة المهندس المكلف، لكن اشترط عليه شرطا إذعانيا يتمثل في أن يلتهم الجن قربانا بشريا، يكون ضحيته هو أول ألماني يعبر من القنطرة فور إنهائها في الأجل.
وتم إبرام الاتفاق بين الجن والمكلف بالورش، واكتملت أشغال القنطرة في الليلة نفسها قبل الموعد المحدد بيوم واحد.
في الغد التجأ المكلف بالورش إلى حيلة تسمح له باحترام الاتفاق مع الجن من جهة، وتسمح له بتجنب تقديم مواطن قربانا للجن كفدية من جهة ثانية، فقام بعبور القنطرة لكن وضع أمامه ديكا، كان هو أول "مخلوق" يعبر القنطرة، وبالتالي تقديمه قربانا للجن.
ومنذ ذاك التاريخ وسكان فرانكفورت "يقدسون" الديك الذي أنقذهم من الافتراس على يد الجن !!
فالتسليم لمالين البلاد والتسليم لأهل المكان ولأهل الجود والجواد في بلاد الألمان !!!!