ففي البدء، تم تصميم إسرائيل لتصبح دولة، لكنها تحولت إلى آلة عسكرية تعمل ضد كل من يتحرك، ولتكون ملاذا لشعب يسوق له أنه مضطهد. لكنها صارت محرقة جماعية لشعب آخر. وتم تقديمها على أنها واحة الديمقراطية في الشرق، فإذا بها تمارس أبشع صور الإجرام والاستبداد، تحت عناوين الأمن والبقاء. سلوك إسرائيل اليوم لا يختلف عن الروبوتات التي نراها في السينما وقد تعطلت أنظمتها، كل شيء حولها يبدو تهديدا لها، وكل تحرك يتطلب ردّا مدمرا. لا تمييز بين طفل ومقاوم، بين مستشفى ونفق، بين صوت حر وطلقة رصاص.
أمام كل نداء دولي، ترد إسرائيل بالرفض وأمام كل دعوة للمحاسبة، تردد اتهامها المعتاد "معاداة السامية"، وأمام كل مظاهرة تضامن، تحرك آلتها الدبلوماسية والمالية لتخنق الصوت. وهذا ليس سلوك دولة، بل سلوك آلة فقدت حس التقدير، والعقل والرحمة.
والأخطر من ذلك، أن هذا الروبوت بدأ في التحول إلى خطر على من صنعوه، وسلحوه، وبرمجوه. فلم تعد واشنطن قادرة على التغطية الكاملة، ولم تعد أوروبا قادرة على تبرير المجازر، ولم تعد كبريات الصحف الغربية قادرة على الصمت. ذلك أن آلة العنف الإسرائيلية خرجت عن السيطرة، وأصبحت تحاصر حتى معارضيها في الداخل.
اليوم تحولت إسرائيل إلى أشبه ما يكون بروبوت لا يعرف متى يتوقف، ولا لمن ينتمي، ولا إلى أين تقوده خطواته. غير أنه، وكباقي الروبوتات الجامحة في أفلام الخيال العلمي، لن يهزم ويدمر إلا من داخله، حين تنهار برمجته، أو ينقلب نظامه ضد ذاته. لأنه عادة ما تنتهي قصص الروبوتات الخارجة عن السيطرة بكارثة كبرى، أو بانتفاضة ضمير تعيد الأمور إلى مسارها. وما لم تدركه إسرائيل بعد وهي تعيش أمجاد الانتصارات الروبوتاتية، هو أن الذاكرة الإنسانية أقوى من أدوات القتل، وأن الشعوب لا تموت بمجرد القصف، وإنما تولد من تحت الركام، أقوى، وأقدر على المقاومة. لقد فقدت إسرائيل شرعية الأخلاق، وشرعية المنطق. أما الذين صنعوا لها "برمجة التفوق" و "خوارزميات الإفلات من العقاب"، فقد حان الوقت، ليس فقط لإيقاف الآلة، بل لمراجعة منطق الصنع نفسه، والدولة التي تتحول إلى روبوت، سرعان ما تفقد ملامح الإنسانية، وتسير بثبات نحو نهايتها المحتومة.