لقد كشفت مواجهة الخميس 12 يونيو 2024، هشاشة النظام الإيراني، ليس فقط بفقدانه المفاجئ لعدد من أبرز قادته وعلمائه ومنشآته النووية التي كان يهدد بها المنطقة، بل بانكشاف بنيته السياسية والأمنية ككل، كنظام مترهل يعتمد على القمع والأذرع الخارجية أكثر من اعتماده على الشرعية الداخلية. النظام الذي طالما روّج لصورته كقوة إقليمية ضاربة، تهاوى أمام ضربة واحدة، وكأنه “نظام من ورق” – قابل للاشتعال والانهيار في أية لحظة، إذا ما توفرت الشرارة الأخيرة.
لطالما بنى هذا النظام وجوده السياسي والعقائدي على تصدير الأزمات، فحوّل العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى ساحات تصفية حسابات لا تنتهي، عبر ميليشيات عقائدية تتغذى على التمويل الإيراني وتُدار بعقيدة الثورة. كانت هذه الأدوات، بالنسبة لطهران، وسائل لإطالة عمر النظام، وتحقيق نوع من التوازن الاستراتيجي مع قوى إقليمية ودولية، دون أن يدخل في مواجهة مباشرة. لكن ما لم يدركه النظام هو أن هذه الاستراتيجية قصيرة النفس، وأنها تصنع عدواً داخلياً صامتاً ينمو في الظل: الشعب الإيراني.
اليوم، لم يعد الخطاب الثوري قادراً على إقناع الداخل. فقد سقط القناع، وبات من الواضح أن النظام يعيش على حافة الانهيار. الشعارات القديمة لم تعد تُقنع الأجيال الجديدة، التي وُلدت في ظل العقوبات، وعاشت القمع، وشهدت التناقض بين خطاب “المقاومة” وحقيقة الفقر والبطالة وتردي الخدمات. أما “الهلال الشيعي” الذي كانت تتغنّى به طهران كدليل على نفوذها، فقد تكسر بلارجعة .
إنّ فقدان القيادة، بهذه الطريقة الدراماتيكية، ليس مجرد حادث عابر. إنه انعكاس لانهيار في البنية القيادية والمؤسسية للدولة. وفي العمق، ما يحدث في إيران اليوم ليس إلا لحظة تحوّل تاريخية تأخرت كثيراً. لحظةٌ تتقاطع فيها إرادة التحرر الشعبي مع عجز النظام عن التجدد. فالإيرانيون، وهم من أكثر الشعوب حيوية وثقافة في المنطقة، لم يعودوا مستعدين للعيش في ظل نظام يعاملهم كأدوات حرب بالوكالة أو رهائن لسياسات عقائدية.
إنّ نهاية هذا المسلسل التراجيدي – الذي امتد لعقود من القمع والدم والابتزاز الجغرا-سياسي – تقترب. ومعها، يلوح فجر جديد لمنطقة الشرق الأوسط، حيث قد يُفتح الباب أخيراً أمام مرحلة من الاستقرار والتعاون الإقليمي، تُبنى فيها العلاقات على أسس المصالح المشتركة لا الطموحات الأيديولوجية.