محمد أمين المحفوظي: ذبيحة العيد في المغرب.. حين تتحول السنة إلى تعصب اجتماعي

محمد أمين المحفوظي: ذبيحة العيد في المغرب.. حين تتحول السنة إلى تعصب اجتماعي الدكتور محمد أمين المحفوظي
في كل عيد أضحى، يُحيي المغاربة سنة نبوية عظيمة تتمثل في الأضحية، تقرّبًا إلى الله واتباعًا لسنة إبراهيم عليه السلام. لكن هذه الشعيرة، في السياق الاجتماعي المغربي، باتت في كثير من الأحيان محاطة بتوترات وتعصّبات تُفرغها من روحها، وتحوّلها من عمل تعبدي اختياري إلى واجب اجتماعي قسري تُفرض فيه الأعراف فوق النصوص، والضغط المجتمعي فوق مقاصد الشريعة.

هذا العام، دعا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، المغاربة إلى عدم الذبح حفاظًا على توازن القطيع الوطني، في ظل الظروف الفلاحية الصعبة التي تمر بها البلاد. وقد جاءت هذه الدعوة في سياق رؤية مسؤولة ومبنية على مقاصد الشريعة التي تضع المصلحة العامة فوق المصلحة الفردية، وتراعي الاستدامة والعدالة الاجتماعية. وكما هو معلوم، فإن للملك صفة دينية بوصفه "أمير المؤمنين"، ما يمنحه صلاحية توجيه الأمة في المسائل الشرعية المرتبطة بالمصلحة العامة.

ورغم وضوح الخطاب وتكرار التوضيحات الشرعية بأن الأضحية سنة مؤكدة وليست فرضًا، لاحظنا سلوكًا مضادًا لدى بعض فئات المجتمع، تمثّل في ذبح الأضاحي سرًّا أو تحديًا للقرار الملكي، في مشهد يعكس خللاً عميقًا في الفهم الديني والاجتماعي على حد سواء.

فهل نحن أمام جهل ديني، أم تعصب ثقافي، أم ضغط اجتماعي؟

قد يكون الجهل الديني أحد الأسباب، إذ يجهل كثير من الناس أن الأضحية ليست فرضًا، وأن الإسلام يُسقطها عن من لا يملك القدرة عليها دون حرج، بل وحتى يُثاب على حسن نية الامتناع عنها حين يكون ذلك أنفع للأمة. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضحّ في بعض السنوات، كما بيّن علماء السيرة.

لكن المسألة أعقد من مجرد جهل. إنها مسألة ثقافة مجتمعية راسخة ترى في الذبيحة رمزًا للرجولة، والكرامة، والوجاهة الاجتماعية. لقد تحول عيد الأضحى، في ذهن البعض، إلى "اختبار للرجولة" أكثر منه عبادة لله، وصار من لا يذبح يُتهم بالتقصير أو يُشفق عليه، أو يُنبذ ضمنيًا من دائرة "الأسرة الكاملة".

هكذا نرى الناس يستدينون، يبالغون في الإنفاق، يذبحون رغم عدم قدرتهم، بل ويخالفون توجيهات واضحة من أعلى سلطة دينية في البلاد. والنتيجة: أعباء مالية خانقة، ضغوط نفسية، وتجاهل صريح للمقاصد العليا التي جاء بها الإسلام: الرحمة، واليسر، والتكافل، ورفع الحرج.

ما العمل إذن؟

ما نحتاجه اليوم هو ثورة فكرية هادئة داخل المجتمع المغربي: ثورة تعيد تعريف العلاقة مع الدين في ضوء مقاصده، لا في ضوء تقاليد بالية. نحتاج إلى تعزيز الوعي الديني الحقيقي، وإلى تفكيك البنية الثقافية التي تقدّس المظاهر وتهمّش الجوهر. كما يجب دعم الخطاب الديني الرسمي، الذي بات يعبّر عن فقه وسطي، متوازن، مرتبط بالواقع.

عيد الأضحى، في جوهره، ليس مناسبة للذبح فحسب، بل هو فرصة للتضامن، والتراحم، والتأمل في قصة تضحية عظيمة. فهل نملك شجاعة أن نضحي ببعض عاداتنا المغلوطة، في سبيل الحفاظ على روح الدين وسلامة الوطن؟