سفيان الداودي: وزارة الشباب وسؤال مراكز التخييم الذكية للأطفال.. نحو نموذج تخييـمي يواكب الطفولة الرقمية

سفيان الداودي: وزارة الشباب وسؤال مراكز التخييم الذكية للأطفال.. نحو نموذج تخييـمي يواكب الطفولة الرقمية سفيان الداودي
يشهد العالم تحولات متسارعة بفعل الثورة الرقمية، التي باتت تمسّ مختلف مناحي الحياة، بما في ذلك التربية، الترفيه، والتنشئة الاجتماعية. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في نماذج التخييم الطفولي، التي لا تزال، في الغالب، رهينة أساليب تقليدية لا تواكب التطلعات الجديدة للطفل المغربي، خاصة الجيل المرقمن، المتفاعل منذ سنواته الأولى مع الهواتف الذكية، التطبيقات، والألعاب التفاعلية.
 
ومن هنا يطرح سؤال جوهري نفسه: كيف يمكن الحديث عن التنشيط التربوي الذكي داخل مخيمات وزارة الشباب، في غياب تفاعل هذه الأخيرة مع التحولات الجارية من خلال تطوير نموذج "مراكز تخييم ذكية"؟
 
1. واقع التخييم في المغرب: بين التقليد والمحدودية
رغم الأهمية التي يحظى بها مجال التخييم (برنامج "عطلة للجميع") في السياسات العمومية، لا تزال مراكز التخييم تعاني من عدد من الإكراهات البنيوية والتربوية:
-بنية تحتية غير مؤهلة بالشكل الكافي لاستيعاب التطور التكنولوجي.
-ضعف التجهيزات الرقمية في معظم الفضاءات التخييمية.
-برامج تقليدية تركز على الفلكلور، الأنشطة اليدوية، والخرجات، دون إدماج جدي لمهارات القرن الحادي والعشرين.
-نقص تكوين الأطر التربوية في مجالات الإعلاميات، البرمجة، التربية الرقمية، والسلامة السيبرانية.
هذه الإكراهات تجعل من الانتقال إلى "مراكز تخييم ذكية" تحديًا حقيقيًا، لكنه ضروري لضمان مستقبل برنامج "عطلة للجميع".
 
أ. مفهوم مراكز التخييم الذكية
مراكز التخييم الذكية ليست مجرد فضاءات مزودة بحواسيب أو اتصال بالإنترنت، بل تمثل نموذجًا تربويًا متكاملًا يستثمر التكنولوجيا في الأبعاد التالية:
 
الأنشطة التكوينية: ورشات في البرمجة، الروبوتيك، الفنون الرقمية، والألعاب التعليمية الإلكترونية.
الإدارة الرقمية: تسجيل المشاركين، تسيير البرامج، التواصل مع الأسر، والتقييم المستمر للأداء.
الفضاء الذكي: تجهيزات متصلة (ألواح ذكية، سبورات رقمية، واقع افتراضي...) تتيح للطفل التعلم بالاكتشاف والتجريب.
هذا النموذج يتجاوز البعد الترفيهي، ليحوّل التخييم إلى مجال لصقل المهارات الرقمية والابتكارية لدى الأطفال.
 
2. في ضوء نداء وزان لحركة الطفولة الشعبية: انسجام مبدئي واستراتيجي
شكّل "نداء وزان"، الصادر عن المؤتمر الفكري الرابع لحركة الطفولة الشعبية، لحظة تأسيسية لرؤية مستقبلية متقدمة حول الطفولة والتخييم، حيث دعا إلى:
-بناء مشروع تربوي متجدد يستجيب لتحولات المجتمع.
-إدماج قيم الحداثة والابتكار في البرامج التربوية.
-تأهيل الفعل التربوي بمنهجية علمية وتشاركية.
 
وفي هذا السياق، يُعدّ مشروع "مراكز التخييم الذكية" ترجمة عملية لمضامين هذا النداء، من خلال:
-مواكبة الطفولة الرقمية، تماشيًا مع دعوة النداء إلى فهم الطفولة في سياقاتها المعاصرة.
-بناء بدائل تربوية مواطِنة ومبدِعة، عبر أنشطة رقمية تدمج القيم والمهارات التقنية.
-تأهيل الأطر التربوية في مجالات الرقمنة، انسجامًا مع الدعوة إلى بناء كفاءات جديدة.
-الانفتاح على الشراكات المجتمعية والتقنية، تكريسًا لمبدأ التعاون مع مختلف الفاعلين.
بذلك، يشكّل التخييم الذكي إحدى اللبنات الأساسية لتفعيل نداء وزان ميدانيًا، وتحقيق تحول نوعي في المشروع التربوي الوطني.
 
3. أدوار وزارة الشباب: من التدبير الأحادي إلى القيادة الاستراتيجية
إذا أرادت وزارة الشباب أن تكون فاعلًا محوريًا في هذا التحول، فإن عليها:
 
-بلورة رؤية وطنية واضحة للتخييم الرقمي، ضمن السياسة الوطنية للشباب، بشراكة مع الفاعلين، وعلى رأسهم المنظمات التربوية التاريخية.
-إحداث مراكز نموذجية للتخييم الذكي، موزعة على مختلف الجهات، كمختبرات لتجريب هذا النموذج.
-تكوين الأطر التربوية في مجالات التربية الرقمية، السلامة المعلوماتية، واستعمال الوسائل التكنولوجية في التأطير.
تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص، الجامعات، وشركات التكنولوجيا، لتوفير الدعم التقني واللوجستي.
 
4. فرص وتحديات تُفرض علينا
أ. الفرص:
-مواكبة انتظارات الطفل الرقمي.
-تعزيز التعلمات غير النظامية وتكافؤ الفرص الرقمية.
-تطوير مهن جديدة في مجالي التخييم والطفولة.
ب. التحديات:
ضعف البنية التحتية.
-مقاومة التغيير لدى بعض الفاعلين التربويين.
-الكلفة المالية العالية للتجهيز والتكوين.
خاتمة
لم يعد التخييم مجرد فسحة ترفيهية، بل أصبح رهانًا تربويًا في سياق مجتمع المعرفة والرقمنة. وإن الانتقال إلى "مراكز تخييم ذكية" لا يُعدّ فقط ضرورة تربوية وتنموية، بل أيضًا تجسيدًا لرؤية "نداء وزان"، الذي يدعو إلى طفولة متحررة، مبدعة، ومُمكَّنة.
 
فهل نحن مستعدون لفتح صفحة جديدة في التخييم المغربي، تنتقل من "خيمة التخييم" إلى "مختبر الإبداع الرقمي"؟