أريري: حين اخترت الذوبان وسط شعب أنغولا بالعاصمة لواندا

أريري: حين اخترت الذوبان وسط شعب أنغولا بالعاصمة لواندا عبد الرحيم أريري في منزل السيدتين Anold و Filomena، بمنزلهما في حي Calemba بمدينة لواندا. ويسارا بالزقاق المؤدي لمنزلهما
رغم تواضع مستواهم المادي والاجتماعي.
ورغم افتقار الأحياء العشوائية التي يسكنون فيها للحد الأدنى من المرافق الضرورية.
ورغم تكدسهم في وحدات سكنية، هي أقرب للمتاهة منها للمنزل.
 
فمع ذلك نجد أن معظم سكان لواندا (عاصمة أنغولا)، يعيشون "سلاما داخليا" مع أنفسهم، و"مرتاحين البال" و"غير مبالين" بأجندة بناء المدينة وتصويب أعطابها، بالنظر للفظاعات الدموية التي مرت منها أنغولا نتيجة41 سنة من الحرب. منها 14 سنة من حرب التحرير التي اندلعت عام 1961 ضد الاحتلال البرتغالي إلى حين إعلان استقلال أنغولا سنة 1975، و27 سنة من الحرب الأهلية بين فصائل الثورة الأنغولية بعضهم ضد بعض، دامت من 1975 إلى 2002.
 
هاته الفظاعات ( خاصة خلال الاقتتال الدموي في  الحرب الأهلية)، لم تمح بعد من الذاكرة الجمعية، ليس لسكان لواندا وحدهم، بل لعموم سكان أنغولا. وهذا ما يفسر كيف أن الأولوية القصوى لثمانية ملايين نسمة من قاطني لواندا (يشكلون ربع سكان البلاد)، هي اقتناص الفرح بالسلم وبالسلام وبالأمن والأمان، والخروج إلى الشارع دون خوف من مجزرة أو من مذبحة، أو الخوف من طلقة طائشة للميليشيات التي كانت تتصارع فيما بينها.
 
هذا الانطباع لمسته في العديد من الأحياء الشعبية بهاته المدينة الضخمة والممططة على مساحة تقارب 3000 كلم مربع ( أي ما يعادل مساحة الرباط 26 مرة)، إذ رغم أن نصف السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، فالملاحظ أن الإحساس  بالعيش في مدينة "بدون قرطاس" و"بدون كلاشينكوفات" و"بدون قدائف الهاون" و"بدون كمائن باراجات قاتلة" و"بدون اختطاف"، يعد أعلى مرتبة في سلم الحقوق. وهذا ما تترجمه التجمعات الشعبية  بأحياء لواندا صباح مساء، في هذا الزقاق أو ذاك الشارع، في هاته الحومة أو تلك الحارة، حيث يحرص الكل (شيبا وشبابا، نساء ورجالا)، على إخراج الكراسي بالفضاء العام وتشغيل الأغاني والموسيقى بصوت مرتفع مع الرقص، احتفالا بردم مرحلة الدم والسفك والقتل.
 
زوال يوم الجمعة 23 ماي 2025، اخترت ان أعيش هذه التجربة، واخترت أن أذوب وسط سكان حي شعبي يوجد قرب "فضاء طورو" Toro المهجور.
 
الحي الشعبي عبارة عن تجمع لدور عشوائية، اسمه Calemba. هذا الحي رغم كون مساحته لا تتجاوز 10 هكتارات (أي ثلث مساحة إقامة المستقبل بحي سيدي معروف بالدارالبيضاء)، فإن عدد سكانه يتجاوز 10 آلاف نسمة، ولم ألمس من معظمهم سوى الود واللطف والنبل الإنساني والاحتفاء بالآخر.