الصراع التجاري بين الصين وأمريكا: تصعيد متبادل وتحولات استراتيجية

الصراع التجاري بين الصين وأمريكا: تصعيد متبادل وتحولات استراتيجية تتسارع تداعيات الحرب الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم
في ظل التصعيد المتجدد بين بكين وواشنطن، تتسارع تداعيات الحرب الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، وسط مؤشرات على تغير موازين القوة والتوجهات الاستراتيجية لدى الطرفين. فقد نشرت صفحة "الصين بالعربي بالفايسبوك" ورقة تأطيرية تسلط الضوء على الأبعاد الجديدة للصراع، في ظل الإجراءات الجمركية الأخيرة التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترامب، والتي وصلت إلى نسبة 104% على بعض المنتجات الصينية.

وترى الورقة أن التصعيد الأمريكي لا يعكس بالضرورة فهماً دقيقاً لطبيعة الموقف الصيني، حيث تعتبر بكين أن العلاقة مع واشنطن لم تعد مجرد خلاف تجاري، بل صراع استراتيجي طويل المدى لن يُحسم قبل "تحرير تايوان". ومن هذا المنظور، يبدو أن الصين ترى في الضغوط الاقتصادية الحالية "بروفة نفسية" استعداداً للمواجهات المستقبلية، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية.

وتوضح الورقة أن تأثير العقوبات الجمركية لم يكن بالحجم الذي يتصوره صانع القرار الأمريكي. فخلال السنوات السبع الأخيرة، انخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين من 700 مليار دولار إلى نحو 500 مليار، كما تراجعت نسبة صادرات الصين إلى السوق الأمريكية من 20% إلى 15% من مجمل صادراتها. وهو ما يعكس استعداداً تدريجياً لفك الارتباط الاقتصادي بين الطرفين.

المثير في المعطيات الجديدة هو التحول الجذري في الرأي العام الصيني. ففي عام 2018، كان نحو 30% إلى 40% من الصينيين يؤيدون تسوية تجارية مع واشنطن، ما مهد لتوقيع الاتفاق المعروف في 2019. لكن هذا الرقم انخفض اليوم إلى أقل من 10%، في ظل تنامي الثقة الشعبية بالنموذج الاقتصادي والسياسي الصيني، وتراجع الاستعداد لتقديم تنازلات.

في المقابل، تعاني الولايات المتحدة داخلياً من تداعيات الحرب التجارية، حيث تشير الورقة إلى أن حوالي 70% من الأمريكيين يعارضون التعريفات الجمركية المفروضة على الصين، نظراً لانعكاساتها على سوق الأسهم، وارتفاع نسب التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، إلى جانب تدهور العلاقة مع الحلفاء الدوليين.

وتخلص الورقة إلى أن التعريفات الجمركية لم تخلق إجماعاً أمريكياً، بل زادت من الانقسام الداخلي، فيما استفادت الصين من رفض عالمي واسع لهذا النهج، ما مكنها من تعزيز علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، ورابطة الآسيان، بل وحتى روسيا التي ترى في هذا التقارب متنفساً أمام الضغط الأمريكي.

ورغم الإقرار بأن خسارة السوق الأمريكية ستكلف الاقتصاد الصيني نحو 1% من الناتج المحلي، إلا أن الورقة تؤكد أن بكين مستعدة لتحمل هذه الكلفة ضمن سياق "حرب تجارية لا مفر منها"، قد تكون نتائجها حاسمة على المدى البعيد.