نداء من أجل مزيد من الأخلاقيات في طب الكلى

نداء من أجل مزيد من الأخلاقيات في طب الكلى الدكتور أنور الشرقاوي
من الصعب جدًّا أن يكون الطبيب هو المتحدث باسم الأخلاقيات، والأصعب أن يكون هو من يكتب عنها.
 
ومع ذلك، فقد تجرأت الجمعية المغربية لأمراض الكلى على كسر هذا الصمت، ونظّمت ندوةً محورية حول الأخلاقيات الطبية ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الواحد والعشرين لأمراض الكلى، المنعقد بمراكش من 8 إلى 10 أبريل 2025.
 
كان الحضور بالإجماع، وكان الصدى قويًّا، إلى حدّ المطالبة بإنشاء لجنة وطنية للأخلاقيات في أمراض الكلى.
 
هذه الكلمات تنبض من رحم تلك الندوة، وتعبّر عن النداء الصادق والملح لكل الأطباء المختصين في طب الكلى الذين شاركوا فيها. نداء لإنقاذ صورة هذا التخصص النبيل في المغرب.
 
تحت أضواء غرف تصفية الدم الباهتة، يتوقف الزمن، وتتوقف معه الآهات على أسِرّة متصلة بماكينات، وكأن المريض يتمسك بشاطئ الحياة وسط بحر هائج.
 
ثلاث مرات في الأسبوع، ولساعات، يتكرر الطقس نفسه: مريض، وإبرة، وتيار حياة يمر.
 
لكن خلف هذه التقنية الطبية الدقيقة، مسرحٌ آخر لا يُرى، يدور بصمت بين الأخلاق والمعاناة، بين الصبر والحقيقة الإنسانية العارية.
 
الطبيب المختص في الكلى لا يدخل هذه الغرفة كمجرد معالج؛ بل كحارس لليالي الأمل.
 
فهو لا يرمم الكلى فقط، بل يحتضن الأرواح المتعبة. يتعلم الصمت، يقرأ في العيون، يفك شيفرة الغضب الكتوم، ويشعر بالتعب الموارب.
 
أما المريض، فلا يأتي فقط لينال قطرة حياة من ماكينة.

بل يأتي ليسلّم مفاتيح خصوصيته، ويكشف آماله، ومخاوفه، وأحيانًا، غضبه المكبوت.
 
فمن يقبل بسهولة أن يرتبط بقيدٍ دائم بماكينة؟ أو أن يتوقف بقاؤه على يد إنسان آخر؟
 
 علاقة استثنائية من الحاجة والألفة 
العلاقة بين الطبيب والمريض المُعتمد على الغسيل الكلوي علاقة يومية، تكرارية، تعتمد على النظر والتقدير والتشخيص المتواصل.

علاقة محكومة بالمودة، وقد تتحول بفعل التكرار إلى هوة.
 
فعندما يفقد الطبيب إحساسه بالمريض ويصبح مجرد رقم موصول بجهاز، تبدأ الأخلاقيات بالتآكل.
 
وعندما يتحول المريض، من شدة التعب، إلى طرف يطالب بعنف أو يتحايل من أجل جرعة دواء أو موعد مفضل، تتزعزع الثقة.
 
لكن الحقيقة أن كليهما واقعٌ في المطب نفسه: 

الطبيب يراقب وذمات، ارتفاع البوتاسيوم، وضغط الدم؛

والمريض يتحمل الإرهاق المزمن، والحرمان من الطعام، وظلم الجسد المريض.
 
 *متى تتكسر الأخلاقيات* ؟
تتكسر عندما تقتل العادة التعاطف،

عندما تصبح الشكوى مجرد ضجيج اعتيادي،

عندما يُنسى المريض أن الطبيب إنسان، يتعب ويُرهق، وقد يخطئ.
 
تُدهس الأخلاق حين يتوهم الطبيب أنه فوق المحاسبة،

وحين ينسى المريض أن الاحترام لا يسقط حتى في قمة الألم.
 
 ما الضمانات لحماية الأخلاق ؟
نحتاج أولًا إلى إعادة تثقيف قلب الطبيب،

وإلى توعية المرضى بقسوة مهنة طبيب الكلى.
 
تذكير الطبيب أن كل مريض عالمٌ خاص،

وأن كل جلسة غسيل هي عقدٌ من الثقة يجب احترامه.
 
إيجاد مساحات للطبيب ليتحدث، ليتلقى الدعم النفسي، وليتلقى التكوين المستمر حول الأخلاقيات وتآكل التعاطف المهني.
 
ثم، يجب وضع مواثيق أخلاقية موقعة من كلا الطرفين،

وإطلاق دوائر استماع في مراكز تصفية الدم،

حيث يمكن للطبيب والمريض معًا التعبير عن التوترات وفهم ما يُقال وما لا يُقال.
 
وأخيرًا، يجب التذكير أن هذه العلاقة الغريبة بين معالج ومريض مزمن،
 
ليست علاقة سُلطة وخضوع،

بل علاقة بين إنسانين، يجبران على الإبحار معًا في بحر المرض.
 
تعزيز الأخلاقيات في طب الكلى ليس سنّ قوانين جديدة،

بل هو إحياءٌ للإنسانية، وإعادة الاعتبار للصبر، وتقديس لطقوس الاحترام.
 
إنه الاعتراف بأن التعب قد يزلزلنا،

لكن الأخلاق يجب أن تبقى المنارة التي لا تنطفئ.