في كل تدخل طبي، يجد أطباء أمراض النساء والتوليد أنفسهم أمام امتحان عسير. فالمسؤولية الطبية في هذا التخصص لا تحتمل التأجيل أو الخطأ، لأنها تمسّ حياة شخصين في آنٍ واحد: الأم والجنين.
تأخر بسيط في التدخل، أو تقدير خاطئ في اتخاذ القرار، قد يُفضي إلى نتائج مأساوية لا تُحتمل.
هذا التخصص يختزل التوتر القوي خاصة في بعض الحالات المستعجلة، وذلك د وسط ضغط اجتماعي متزايد، وتوقعات أسرية ومجتمعية لا تعرف هوادة.
ومع تزايد وعي المواطنات بحقوقهن، تتحول أي مضاعفات طبية – حتى تلك الخارجة عن إرادة الطبيب – إلى ملفات قضائية، تضع الممارسين أمام تهديدات مدنية وجنائية لا ترحم.
أمام هذه المعادلة المعقدة، نظمت جمعية أطباء النساء والتوليد الخواص بالرباط، في أواخر أبريل 2025، يوماً دراسياً محورياً حول "المسؤولية الطبية"، كشفت خلاله هشاشة الإطار القانوني المغربي، وأكدت على الحاجة الملحة إلى إصلاح شامل، يضمن الإنصاف للطبيب والمريض معًا.
مسؤوليات قانونية مغيبة... وثغرات خطيرة
خلصت المداخلات القانونية والطبية إلى حقيقة صادمة: كثير من الأطباء يجهلون تفاصيل واجباتهم القانونية، ولا يفرقون بين المسؤولية المدنية - التي تغطيها شركات التأمين غالبًا - والمسؤولية الجنائية التي قد تؤدي إلى تقييد الحرية وسقوط الاعتبار المهني.
الخبرة الطبية تحتاج لخبراء بحق
غياب معايير واضحة لتعيين الخبراء الطبيين، وضعف التكوين المتخصص، يفتح الباب لتقارير متضاربة، تفتقر أحياناً إلى الموضوعية والدقة.
وقد دعت الجمعية إلى اعتماد شروط صارمة في اختيار الخبراء، تشمل الكفاءة، التجربة، والنزاهة القضائية.
علماً أن تكوينات في هذا المجال بدأت تتبلور في الدار البيضاء والرباط.
تأمين جماعي... درع وقائي لكل طبيب
من بين أبرز التوصيات التي طرحتها AGOPR: إنشاء نظام تأمين جماعي خاص بالأطباء، على غرار تجربة المحامين، تحت إشراف المجلس الوطني لهيئة الأطباء.
هذه الآلية ستشكل ضمانة قانونية ومهنية للأطباء، وستُعيد ثقة المواطنين في المنظومة الصحية.
تشريع قديم لا يُنصف أحداً
القانون المغربي الحالي لا يرقى إلى خصوصية العمل الطبي، ولا يحمي الطبيب من الإجراءات التعسفية، ولا يضمن للمريض سبيلاً عادلاً للإنصاف.
لهذا، فإن إقرار مدونة مغربية حديثة للمسؤولية الطبية لم يعد مطلباً فئوياً، بل أولوية وطنية ملحة.
إن ما كشفه هذا اليوم الدراسي من ثغرات قانونية ومهنية، يستوجب تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة، والمجلس الوطني لهيئة الأطباء، والسلطة التشريعية.
ليس من المقبول أن يظل الطبيب عرضة للخوف، والمريض ضحية للغموض القانوني.
حان الوقت لقانون واضح، عادل، ومتوازن...
قانون يُعيد الطمأنينة للطبيب، والكرامة للمريض، والمصداقية للمنظومة الصحية بأكملها.