في خضم الأزمة المستمرة التي يعاني منها قطاع التعليم، أصدرت الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل بلاغًا جديدًا في 5 ماي 2025، تندد فيه بتعثر الحوار مع الوزارة الوصية على القطاع، مشيرة إلى غياب الإرادة الحقيقية لمعالجة الملفات العالقة التي تهم الشغيلة التعليمية والمدرسة العمومية. البلاغ، الذي جاء بلغة قوية، يضع الأصبع على الجرح، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات نقدية حول فعالية هذا النوع من الخطاب في تحريك المياه الراكدة داخل المنظومة التعليمية.
يستهل البلاغ بالإشارة إلى ما سماه "المشهد السريالي" الذي تعيشه جلسات التفاوض، حيث تتراكم الملفات العالقة وتتعاظم انتظارات الشغيلة التعليمية، بينما تظل الوزارة، حسب تعبير البلاغ، متشبثة بمقاربة التسويف والمماطلة، وتحويل الحوار إلى مجرد لقاءات شكلية لا تفضي إلى أي نتائج ملموسة. ويذهب البلاغ أبعد من ذلك، حين يتهم الوزارة بإغراق القطاع في صفقات وعقود مشبوهة، ساهمت في تعميق أعطاب المنظومة التربوية وتجميد تنزيل مقتضيات النظام الأساسي، خاصة ما يتعلق بالمواد الأكثر حساسية بالنسبة للشغيلة.
وفي هذه اللحظة، يبرز البلاغ كيف أن الوزارة، بدل الانكباب على معالجة الملفات الجوهرية، لجأت إلى مراسلة جوابية مطولة و"غير مسبوقة" عممتها على الرأي العام، تضمنت تفاصيل دقيقة حول الملفات العالقة، وهو ما اعتبرته النقابة محاولة للهروب إلى الأمام وتبرئة الذمة أمام الشغيلة التعليمية والرأي العام، دون تقديم حلول عملية أو الالتزام بمخرجات الحوار. هذا التعميم، بحسب البلاغ، لم يكن سوى محاولة لإحراج النقابات وإظهارها في موقف المتقاعس عن الدفاع عن مصالح نساء ورجال التعليم، في حين أن الوزارة هي المسؤولة عن تعثر الحوار وتجميد الإصلاحات.
من جهة أخرى، يعكس البلاغ حالة من الغموض التي أحاطت بالملفات العالقة، ويضيف أن الرسالة التي أصدرها الكاتب العام بالنيابة للوزارة أخرجت الحوار من هذا الغموض واللبس، حيث قدمت تفاصيل دقيقة حول القضايا التي كانت النقابات تتجنب الحديث عنها أو تكتفي بالتلميح إليها. هذا التعميم التفصيلي، الذي وضع نساء ورجال التعليم في الصورة، جعل النقابات في موقف محرج، حيث أصبحت عاجزة عن الرد بشجاعة أو تقديم تفاصيل قوية تدعم مواقفها. بدلاً من أن تكون النقابات هي من يقود الحوار ويطرح الحلول، اختطف هذا التعميم الأضواء منها، ليبدد مقاربة التلغيز والصمت التي اعتمدتها طويلاً.
ورغم حدة الانتقادات الموجهة للوزارة، يلاحظ أن البلاغ يكتفي بترديد الشعارات التقليدية حول "الدفاع عن المدرسة العمومية" و"الكرامة" و"العدالة الاجتماعية"، دون أن يقدم تصورات عملية أو حلول مبتكرة تتجاوز حدود التنديد والاحتجاج. هذا النمط من الخطاب، الذي يكرر نفسه في كل موسم نقابي، يفقد البلاغ قوته التعبوية ويجعله مجرد صدى لخطابات سابقة لم تحقق أي اختراق حقيقي في جدار الأزمة.
ما يزيد من تعقيد المشهد النقابي هو أن البلاغ لا يتضمن أي تقييم ذاتي أو نقد لمسار العمل النقابي، بل يكتفي بتحميل الوزارة كامل المسؤولية عن تعثر الحوار وتفاقم الأوضاع، متجاهلاً الإشكالات البنيوية داخل الجسم النقابي نفسه، من ضعف التنسيق إلى الانقسامات الداخلية التي أضعفت الجبهة النقابية وأثرت على قدرتها التفاوضية.
وفي ختام البلاغ، تدعو الجامعة الوطنية للتعليم كافة الشغيلة التعليمية إلى "خوض كل الصيغ النضالية دفاعاً عن الإنصاف والكرامة والعدالة الاجتماعية"، لكنها لا تحدد معالم هذا النضال ولا تضع برنامجاً واضحاً أو جدولة زمنية دقيقة، ما يجعل الدعوة أقرب إلى رد فعل ظرفي منها إلى خطة استراتيجية قادرة على تحقيق مكاسب ملموسة.
في المحصلة، يعكس هذا البلاغ حالة الاحتقان الحقيقية التي يعيشها قطاع التعليم، لكنه يظل أسير خطاب تقليدي يفتقر إلى الابتكار في الطرح والأصالة في البدائل. إن تجاوز الأزمة الحالية لن يتحقق إلا بتجديد الخطاب النقابي، وتقديم مقترحات عملية وواقعية، والاعتراف بالمسؤولية المشتركة في ما آلت إليه أوضاع المدرسة العمومية. فقط بهذا النهج يمكن استعادة ثقة الشغيلة التعليمية وتحقيق إصلاح حقيقي وملموس للمنظومة التربوية.