في قلب الصّحراء المغربية، وتحديدا بمدينة الداخلة سنة 1976، ولدت سعداني ماء العينين، لتبدأ رحلة استثنائية جمعت بين الألم والنضال، وتحولت إلى صوت صارخ صادح في وجه الظلم والانتهاكات، مناصر للحق وحقوق الإنسان.
طفولة في قبضة القمع
نشأت سعداني في مخيمات تندوف، جنوب الجزائر، حيث كانت شاهدة على مآسي لا تنسى، والدها الشّيخ ماء العينين، كان من المعارضين لقيادة "البوليساريو"، مما جعله عرضة للتعذيب والقتل أمام أعين عائلته.
في سنّ التاسعة، تم ّترحيل سعداني قسرا إلى كوبا، وسنها لم يتجاوز الخمس سنوات، حيث عاشت 18 عاما في عزلة عن أسرتها، وخضعت خلالها لتدريبات إيديولوجية وعسكرية تهدف إلى تشكيل جيل موال للانفصاليين. وما زاد من مأساة ماء العينين هو وفاة أبيها مما حصل لأبيها بعد رفضه الترحيل الإجباري لابنته.
العودة إلى الوطن وبداية النّضال
بعد سنوات الغربة، عادت سعداني إلى المغرب في عام 2003، حاملة معها جراح الماضي وعزما على فضح الانتهاكات التي عايشتها. انضمت إلى المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وبدأت في تقديم شهادات مؤثرة أمام المحافل الدولية، مثل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، حيث حملت الجزائر مسؤولية المأساة الإنسانية في مخيمات تندوف.
صوت النساء في الأزمات الإنسانية
لم تكتف سعداني بنقل معاناتها الشخصية، بل صارت أبرز المدافعات عن حقوق النساء المحتجزات في مخيمات تندوف، جنوب الجزائر.
شاركت في ندوات دولية ولقاءات حقوقية أممية، منه تلك اليت نظمتها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، حيث سلطت الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء في تلك المخيمات، مشيرة إلى الوضع الملتبس قانونيا واجتماعيا يوفّر غطاء لهذه الانتهاكات.
تكريمات دولية واعتراف عالمي
نال نضال سعداني اعترافا دوليا، حيث جرى تكريمها من قبل جامعة "بوليفيا" على هامش الملتقى الدولي للثقافة والسلام وحقوق الإنسان، تقديرا لمجهوداتها في التعريف بثقافة السلام وحقوق الإنسان. كما كرمتها مجموعة التفكير "بوليسنس" في كندا، ومنحتها لقب "سيدة السنة" لدفاعها المستميت عن حقوق الإنسان ومناهضتها لتجنيد الأطفال.
كما توّجت الحقوقية سعداني ماء العينين بجائزة النسخة الرابعة من جوائز الدبلوماسية العامة في "فئة حقوق الإنسان"، التي نظمتها المؤسسة الدبلوماسية"، في حفل أقيم الأٍسبوع الماضي بأحد فنادق الرباط.
واعتبرت الهيئة المنظمة، مانحة الجائزة السنوية، أن تتويج الحقوقية ماء العينين بالدورة الرابعة، يشكل "تميزا بصفتها الشخصية، كما أنه بمثابة تقدير لالتزامها الثابت لصالح الحريات الأساسية وتكافؤ الفرص والكرامة الإنسانية،سواء في المغرب أو على المستوى الدولي، وخاصة من خلال مسؤولياتها في ضمن منظمة غير حكومية OCAPROCE الدولية".
ووفق المؤسسة الديبلوماسية، فإن اللجنة أرادت أن "تسلط الضوء بشكل خاص على نضالها الدائم من أجل حقوق المرأة والطفل، في النهج المبني على الاستماع والقرب والتأثير الملموس على الأرض، وكذا على عملها المتميز في مجال الدبلوماسية المدنية والدعوة من أجل حقوق الإنسان، في سياقات معقدة في كثير من الأحيان".
رسالة أمل وإصرار
تجسّد قصة سعداني ماء العينين نموذجا لقوة الإرادة والتحدي، إرادة الفضح والدفاع عن حقوق الإنسان في كل محافل العالم الحقوقية والأممية، بلا ممل ولا كلل، ، رغبتها ورهبتها، كما تروي لـأسبوعية "الوطن الآن"، إسماع صوتها في أروقة الأمم المتحدة، من أجل الكرامة والحرية التي لا تعرف لها حدودا.
وبينما تؤكّد الحقوقية ماء العينين، أنه ليست بمقدور المرأة، في منطقة اللاّقانون التي هي تندوف، الاطلاع بأي دور من أدوار الدفاع عن حقوق الإنسان في ظل غياب أي اعتراف بالحريات الفردية، وفي مقدمتها حرية التعبير والحركة، تتأسّف لكون النّساء في تندوف، جنوب الجزائر، "يجدن أنفسهن محرومات من حقّهن في أن تكون لهن حياة اجتماعية وكثيرات منهن تقعن ضحايا للإنجاب القسري، في ظل وضع مأساوي يتناقض مع التطور الذي يجري في الصّحراء المغربية، المعزّز بجو من الانفتاح والاستقرار، وهو الجو الذي يعم سائر جهات المملكة، مقابل ما تعيشه مخيمات الذل والعار من تنكيل وتعذيب ونفي وتشريد وقتل ونحوهما، وهي مناسبة للمنتظم الدولي لفتح تحقيق فيما يجري هناك وترتيب المسؤوليات وحماية حقوق الإنسان.
وتختم قولها لـ "أنفاس بريس": سأظلّ أدافع عن بلدي المغرب، وعن حقوق الإنسان، وأفضح ما يقع في مخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر ما دمت حيّة، وفي كلّ المنتديات والأروقة الأممية والحقوقية الدولية والعالمية.