عبد الرفيع حمضي: سانشيز.. وَحُسْنُ الجوار

عبد الرفيع حمضي: سانشيز.. وَحُسْنُ الجوار عبد الرفيع حمضي
لقب سانشيز Sanchez من بين الأسماء العائلية المعروفة باسبانيا، ويأتي في المرتبة السابعة من حيث نسبة الانتشار. وهو  اسم مركب، باللغة العربية يعني  تقريبا  (بن قديس) كما هو الحال، وعلى وزن  بعض الألقاب العائلية المغربية  ك:  بن موسى، بنعيسى  بن جلون، بن سعيد  وبن يحيى.

لست  أدري من أين استمدّ  شعور القرب والاطمئنان من رئيس  الحكومة الإسبانية Pedro Sanchez ؟ فهل يعود يا ترى إلى هذه المرجعية  الفكرية والسياسية المشتركة،social démocrate الديمقراطية الاجتماعية والتي  حضنتنا جميعا -في زمن ما -وتحت سقف  بيت كبير أطلق عليه " الأممية الاشتراكية" وهو تجمع سياسي عالمي أحدثته الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، والعمالية، والاشتراكية الديمقراطية، سنة 1951 بلندن مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يرأسه في هذه الولاية Pedro  بعدما تعاقب عليها شخصيات سياسية عالمية كبرى، غوتريس البرتغالي وبيير مروا الفرنسي، وباباندريو اليوناني ….

أم أن الأمر يعود بالدرجة الأولى، إلى أن العلاقات المغربية الإسبانية، التي تتسم تاريخيا بالحذر المستمر،والتي تعرف توترا متواترا أساسا مع الحكومات التي يكون الحزب اليميني الشعبي PP قائداً لها كما حصل في ولاية  José Maia Aznar . مقابل تقارب وانفتاح وتعاون كلما أدار البلاد الحزب الاشتراكي PSOE) مرحلة كل من سباطيرو و  Filipe Gonzalez و José Luis Rodrigues Zapatero ).

ولعل هذا من خصوصية العلاقات المغربية الإسبانية حيث اليسار أقرب إلى الملكية المغربية من اليمين الإسباني. على خلاف العلاقات المغربية الفرنسية التي تكون متوترة أو في وضع أسوأ وفي أحسن الأحوال ليس على ما يرام مع  الحزب الاشتراكي  ( تجربة فرانسوا، ميتران  وهولاند ) وفي وضع أحسن كلما كان اليمين الليبرالي يقطن قصر الاليزيه.

مناسبة هذا الكلام هو التعاطف الذي أشهره المغاربة، علانية مع رئيس الحكومة الإسبانية عندما أعلن  يوم 25 أبريل في رسالة مطولة إلى الرأي العام الإسباني عن إمكانية تقديم استقالته مباشرةً، عندما اختار اليمين المتطرف  -بجبن - فضاء العائلة والأسرة لتوجيه الضربات إلى رئيس الحكومة، بعدما حصل ما حصل في  الانتخابات الأخيرة ،كساحة للمعارك السياسية لكل فاعل سياسي مؤمن بالقواعد الديمقراطية.

ومما لا شك فيه، أن هذا التعاطف يستحضر نوعية العلاقات المغربية الإسبانية التي اخذت منعطفا جديدا منذ لقاء 7 أبريل 2022 بين جلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة Pedro Sanchez، بحيث يجمع المحللون السياسيون أن موقف إسبانيا الحالي من القضية الوطنية هو أهم قرار اتخذته اسبانيا في علاقتها مع المغرب منذ اتفاقية مدريد ل 14 نونبر 1975، ان لم نقل منذ الاستقلال. خاصة وأنها البلد المستعمر للصحراء المغربية، والمالك للتاريخ والوثائق، والعارف برجال ونساء وقبائل وعادات وتقاليد المنطقة.

وحتى وإن كان هذا الموقف الجديد -يرى البعض  فيه وعن صواب -، أنه موقف للدولة الإسبانية الظاهر منها (الحكومة-البرلمان) والخفيّ ( أجهزة الدولة - رجال الاقتصاد - الجيش - الملكية) وبالتالي ليس موقفا للحكومة فقط ورئيسها الاشتراكي، مما يحصنه من التقلبات الانتخابية في إسبانيا فإنه مع ذلك يبقى موقفا هشا مرحليا، ويحتاج إلى رجال ونساء، يملكون من الشجاعة ما يكفي لمواجهة الضربات المتوقعة. وغير المتوقع من اللوبيات،ومركبات المصالح الاقتصادية والسياسية بالداخل والخارج.

وهنا تكمن أهمية الحكومة الحالية بقيادة بيدرو سانشيس، فمن مسؤوليتها تربية وترويض النخبة والمجتمع على نوع جديد من علاقات الجوار مع المغرب. لأنه مع الأسف الشديد،التاريخ لا يسعفنا في هذا المجال حتى وإن كانت للجغرافية ضرورتها وللاقتصاد سطوته.

فالمغرب وإسبانيا بلدين جارين تفصلهما 14 كلم لا غير والأول في القارة الإفريقية والثاني في أروبا. الأول في الشمال المتقدم والثاني في الجنوب الصاعد. الأول بلد مسلم الديانة، والثاني  مسيحي العقيدة. فكم في العالم بأسره من جيران بهذه الخصائص؟.
 
أما اقتصاديا فاسبانيا تعد ثاني شريك  تجاري للمغرب، بعد فرنسا حيث تتجاوز المبادلات التجارية 20 مليار، (يورو )كما آن 600 مقاولة تعمل بالمغرب، أغلبية رأسمالها مملوك للإسبان و3500 أخرىجزء من حصصها وأسهمها إسبانية و12000 وحدة إنتاجية تصدر  منتجاتها ،إلى المغرب بشكل متواتر وطيلة السنة .

ومع ذلك يبقى أن بعض الفترات في التاريخ عصية على الهضم . ومسألة تلطيفها هو في عمق مسؤولية رجالات الدولة هنا وهناك ونخبها  الثقافية والفكرية والمدنية.

فالتاريخ يحتفظ بثمانية قرون من التواجد هناك ويسجل كيف تم طرد الموريسكيين وكيف تم التعامل مع المسلمين؟ ولاحقاً كيف تم الاعتذار لليهود دون المغاربة المسلمين؟.

كما آن التاريخ الحديث جدا يشهد على "فيالق الموت "الذي جندهم فرانكو من شمال المغرب ليعزز بهم انقلابه على الجمهورية ودفع بهم إلى المقدمة ليرتكبوا في حق اسوأ الفظاعات، لازالت ذاكرة المواطنين الإسبان بل حتى أجساد  بعضهم شاهدة على ذلك.

ولعل مكر التاريخ لا يقاوم، فإذا كانت فرنسا الجارة الشمالية للمملكة الإسبانية أرغمت في عهد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت ملك إسبانيا فيرناندو السابع على التنازل عن العرش في عام 1808، وإنهاء الملكية بها . فان الجار الجنوبي المغرب ساهم  بقوة في إعادة الملكية إلى  البناء المؤسساتي لإسبانيا.

فهذا جزء قليل من المنعرجات الخطيرة في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية دون الحديث عن الجرح العميق سبتة ومليلية .إضافة إلى هزيمة حرب تطوان وحكاية معاهدة صلح ( راس واد ) المهينة .

وحسب مقال كتبه وزير الدفاع الإسباني السابق، José Bono   فإن بعض المدافع التي غنمتها إسبانيا في هذه الحرب هي التي تم صهر وتذويب مادة حديدها وصنع منها مجسم الأسدين الموضوعين  لحد الآن بمقر الكونغرس بمجلس النواب باسبانيا.

وفي الأخير، فان قوة الانطلاقة الجديدة للعلاقة بين الجارين تكمن في واقعية الرؤية الإسبانية والمغربية للتحولات بالمنطقة وكذلك في حكمة الفاعلين  بالبلدين وإصرارهم على رعاية هذه العلاقة وتنشئتها  وتوطينها في محيطها بما يضمن تملكها من طرف  الجميع .