في السنوات التسع الأخيرة أنفقت الدولة في الدار البيضاء الكبرى حوالي 10 ملايير درهم ( 1000 مليار سنتيم)، على أشغال الزفت والطرق والقناطر والأنفاق وقناة محاربة الفيضان بواد بوسكورة.
ورغم وجاهة هذه المشاريع وحاجة الدار البيضاء الكبرى لها، فإن ما يثير التساؤل هو هذا العداء لكل ما هو تشجير وبستنة وتهيئة منظرية لطرقاتنا وشوارعنا. إذ ما معنى إنفاق 1،1 مليار درهم كل عام تقريبا على البنية التحتية المذكورة دون أن يكون ذلك مصاحبا برؤية منظرية للشارع أو للطريق المحدث أو الموسع، عبر اختيار نوع الأشجار التي تلائم خصوصيات الدار البيضاء بما يضفي رونقا على الشارع من جهة، ويلطف الجو من جهة ثانية، ويهذب ذوق مستعمل الطريق من جهة ثالثة، ويقرب المدينة من نادي المدن المستدامة من جهة رابعة (نحيل مثلا على المنظر الجاف لطريق ليساسفة أو طريق مديونة أو الطريق الساحلية أو طريق مولاي التهامي أو شارع أبو بكر القادري، واللائحة طويلة...).
المفارقة تتعاظم حين نعلم أن الدولة التي بذلت هذا الجهد المالي لتحسين البنية التحتية الطرقية بالدارالبيضاء الكبرى وعبأت خزائن المديرية العامة للجماعات المحلية والبلدية والجهة ومجلس العمالة والجماعات الضاحوية لصرف ذاك المبلغ الباهض ( ألف مليار سنتيم)، هي نفس الدولة التي تقاعست عن تعبئة الموارد المالية المطلوبة لتشجير الشوارع وإنجاز الدراسات المنظرية المطلوبة لبستنة الفضاء العام وإضفاء الطابع الأخضر عليه.
الدليل على ذلك أن مجموع ما أنفق على المساحات الخضراء بالدار البيضاء الكبرى لم يتجاوز 900 مليون درهم خلال عشر سنوات، أي بمعدل 90.000.000 درهم كل عام ( أي 9 ملايير سنتيم سنويا)، معظمها التهمته إعادة تهيئة حديقة الجامعة العربية وغابة بوسكورة وكورنيش عين الذياب وكورنيش مسجد الحسن الثاني، والفتات خصص للأحياء الشعبية أو للطريق السريع الممتد من مقر مكتب الفوسفاط إلى حي القدس بالبرنوصي.( مثلا كورنيش الفقراء بعين السبع وشاطئ النحلة، لم يرصد له سوى 70مليون درهم، ورغم ذلك ظل المشروع مجمدا منذ 2016 ولم يتململ إلا مؤخرا ويعرف بطئا في التنفيذ، مقابل 300 مليون درهم لكورنيش العنق وعين الذياب !).
معنى ذلك أن الاعتماد المخصص للمساحات الخضراء لا يشكل سوى 8% من ذاك الذي رصد للزفت والتعبيد خلال نفس الفترة، علما أننا لم ندرج الجريمة المتمثلة في إقبار ماورد في تصاميم التهيئة بالدار البيضاء التي نصت على إحداث أزيد من 600 هكتار من المساحات الخضراء بأحياء وعمالات الدار البيضاء الكبرى، والتي لم ينجز منها إلا 18 هكتار فقط في منتزه القطب المالي، والباقي تتربص به أعين كبار المنعشين العقاريين لنهشه وتحويله إلى مشاريع سكنية غير آدمية تبيض ذهبا !
لماذا أفلحت الدولة في جعل الرباط " نزهة فيحاء" ومنحت لشوارعها هوية منظرية ولساحاتها بصمة خضراء وفشلت في الدار البيضاء؟
هذا السؤال الصادم سيظل يطارد كل مسؤول مغربي من رئيس الحكومة إلى أصغر مسؤول في الهرم الإداري، سواء كان معينا أو منتخبا، أكان موظفا ساميا أو مهندسا بمكتب للدراسات والمراقبة، أو مديرا لشركة حازت الصفقة.
وصدق رسول الله حين قال:" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".