تجنبا‭ ‬للسكتة‭ ‬القلبية.. الحاجة لتطهير المغرب من النخب الفاسدة

تجنبا‭ ‬للسكتة‭ ‬القلبية.. الحاجة لتطهير المغرب من النخب الفاسدة
يشهد‭ ‬الشارع‭ ‬المغربي‭ ‬غليانا‭ ‬وتظاهرات‭ ‬شعبية‭ ‬وقطاعية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة؛‭ ‬والقاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بينها‭ ‬هو‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية،‭ ‬واستشراء‭ ‬الفساد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬للنخب‭ ‬الحزبية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وسوء‭ ‬الخدمات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تورط‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬إجرامية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬ومالية‭ ‬كبرى‭. ‬وما‭ ‬فضيحة‭ ‬"سعيد‭ ‬الناصيري‭ ‬وبعيوي‭ ‬ومن‭ ‬معهما"‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬إعلاميا‭ ‬بـ‭ ‬«إسكوبار‭ ‬الصحراء»‭ ‬إلا‭ ‬نموذج‭ ‬مصغر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬يقضم‭ ‬أطراف‭ ‬البلاد،‭ ‬ويخمد‭ ‬توهجها‭ ‬وقابليتها‭ ‬للإقلاع‭ ‬التنموي‭ ‬المنشود‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬بلورت‭ ‬تلك‭ ‬التظاهرات‭ ‬الاحتجاجية،‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬ملفاتها‭ ‬المطلبية،‭ ‬وأيضا‭ ‬رغم‭ ‬تباين‭ ‬القطاعات‭ ‬وتعارض‭ ‬المصالح‭ ‬أحيانا،‭ ‬مطلبها‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬رحيل‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬كما‭ ‬تطالب‭ ‬بتطهير‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬وكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬عليها‭ ‬أركان‭ ‬الدولة،‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭ ‬الذين‭ ‬استطاعوا،‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬وجيز،‭ ‬الإمساك‭ ‬بزمام‭ ‬أمورها‭ ‬باستعمال‭ ‬الرشاوى‭ ‬وشراء‭ ‬الذمم،‭ ‬وتحريك‭ ‬المحسوبية‭ ‬والزبونية‭ ‬والدم‭ ‬والقرابات‭ ‬العائلية،‭ ‬وتكريس‭ ‬نظام‭ ‬للامتيازات‭ ‬والمكافآت‭ ‬يجعل‭ ‬«الولاء»‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬متقدم‭ ‬عن‭ ‬الكفاءة‭ ‬والجدارة‭ ‬والنزاهة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي،‭ ‬مع‭ ‬اتساع‭ ‬الملفات‭ ‬وطبيعة‭ ‬المتورطين،‭ ‬يكاد‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬كامل‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬التعبيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتوثبة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬تصاعدي‭ ‬خطير‭ ‬تشير،‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬إلى‭ ‬إجماع‭ ‬أكبر‭  ‬على‭ ‬انعدام‭ ‬الرضا‭ ‬وغياب‭ ‬الإحساس‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام،‭ ‬إذ‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬شامل‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬قيادات‭ ‬ذات‭ ‬مروؤة‭ ‬ونخب‭ ‬متعففة‭ ‬ووطنية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬المطالب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والشعبية‭ ‬إلى‭ ‬مكتسبات‭ ‬سياسية،‭ ‬وإلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬«دولة‭ ‬اجتماعية»‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬لمواطنيها،‭ ‬وتسخر‭ ‬كل‭ ‬«ثروتها»‭ ‬وإمكانتها‭ ‬التدبيرية‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬للمشاكل،‭ ‬بدل‭ ‬اختلاقها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬«ماركة‭ ‬مسجلة»‭.‬

فكيف‭ ‬اندحرت‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬المثير‭ ‬للاستغراب؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬عناصر‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬ومخاوفها؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهتها‭ ‬بشعار‭ ‬«كفى‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬!»؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭  ‬مآلات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬واصلت‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬الانفجار‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ألوانها‭ ‬السياسية‭ ‬وأطيافها‭ ‬المذهبية‭ ‬وأفكارها‭ ‬الإيديولجية؟‭ ‬وماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬الدولة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬هيبة‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وعلى‭ ‬سمعتها‭ ‬وصورتها‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬العصف‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬وجودها،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬مؤشرات‭ ‬تعفن‭ ‬النخب‭ ‬والفساد‭ ‬جد‭ ‬مرتفعة،‭ ‬ولا‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية؟

لقد‭ ‬أثبت‭ ‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬التدبير‭ ‬أنهما‭ ‬يقعان‭ ‬فوق‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬أو‭ ‬المنتخبة،‭ ‬بل‭ ‬إذا‭ ‬شئنا‭ ‬الدقة‭ ‬إنهما‭ ‬تحولا‭ ‬إلى‭ ‬«قوة»‭ ‬عابرة‭ ‬للأحزاب‭ ‬ومتحكمة‭ ‬في‭ ‬دواليبها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬التكوين‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬التدرج‭ ‬في‭ ‬المهام‭ ‬القيادية‭ ‬هو‭ ‬المقياس‭ ‬لإنتاج‭ ‬نخبة‭ ‬سياسية‭ ‬مشبعة‭ ‬بالقيم‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬التدبير‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬سياسي‭ ‬تحكمه‭ ‬القوانين‭ ‬والشفافية‭ ‬والنزاهة،‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وتقترن‭ ‬فيه‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة،‭ ‬والممارسة‭ ‬بالتداول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬

وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لاحظنا‭ ‬أن‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬تنسيقيات‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭  ‬«مسيرات،‭ ‬وقفات،‭ ‬اعتصامات»،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬نظمت‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬«النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للأساتذة»،‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬شعاراتها‭ ‬مطالبا‭ ‬ضد‭ ‬جرثومة‭ ‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬التدبير‭ ‬والزبونية‭ ‬وسرقة‭ ‬المال‭ ‬العام‭. ‬وهذا‭ ‬التوجه‭ ‬يسري،‭ ‬أيضا،‭ ‬على‭ ‬احتجاجات‭ ‬باقي‭ ‬القطاعات‭ ‬«الصحة،‭ ‬التكوين‭ ‬المهني،‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية،‭ ‬المحامون،‭ ‬الثقافة،‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭..‬إلخ»‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬يكاد‭ ‬يسري‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬باستثناء‭ ‬قطاعي‭ ‬الأمن‭ ‬والجيش‭ ‬اللذين‭ ‬أثبتا‭ ‬نجاعتهما‭ ‬بسبب‭ ‬كفاءة‭ ‬الممسكين‭ ‬بزمامهما،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬العالية‭ ‬على‭ ‬التعبئة‭ ‬والتخليق‭ ‬والتحفيز،‭ ‬ورفع‭ ‬سقف‭ ‬التحدي‭ ‬عاليا‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬للنخب‭ ‬السياسية‭ ‬والإدارية،‭ ‬لاقى،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح،‭ ‬دعما‭ ‬جماهيريا‭ ‬كبيرا‭ ‬مَرَدُّه‭ ‬حدة‭ ‬النقمة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تشتد‭ ‬تدريجيًا‭ ‬نتيجة‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وجمود‭ ‬الأجور،‭ ‬وفشل‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬وعود‭ ‬الإقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬بها‭ ‬الانتخابات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تراكم‭ ‬نقمة‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬الفاسدة‭ ‬والمتعفنة‭ ‬وممارساتها‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬وتنزيل‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭. ‬وهي‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬رغم‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬مرارا‭ ‬لإرجاع‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المتابعات‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬مسؤولون‭ ‬ترابيون‭ ‬أو‭ ‬جماعيون‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تقارير‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إعفاء‭ ‬العديد‭ ‬منهم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اعتقال‭ ‬آخرين‭ ‬والحكم‭ ‬عليهم‭ ‬بالسجن‭. ‬

لقد‭ ‬دفع‭ ‬الفساد‭ ‬متظاهري‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬المناداة‭ ‬برحيل‭ ‬كامل‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭. ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬تلك‭ ‬الدعاوى‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬بل‭ ‬استمرت‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬وتصاعدت‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التغول‭ ‬الحكومي‭ ‬الحالي،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬العمل‭ ‬الحزبي،‭ ‬في‭ ‬أوضح‭ ‬تمظهراته،‭ ‬مرادفا‭ ‬للتورط‭ ‬محليا‭ ‬وجهويا‭ ‬ووطنيا‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬فساد‭ ‬ومخدرات‭ ‬وانحلال‭ ‬أخلاقي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الخيط‭ ‬الفاصل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التورط‭ ‬بين‭ ‬المعارضة‭ ‬والأغلبية‭ ‬إلا‭ ‬مدى‭ ‬استغراق‭ ‬زعاماتها،‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬الغنائم‭ ‬المادية‭ ‬بدل‭ ‬خدمة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬وحق‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المناصب‭ ‬بطرق‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وعبر‭ ‬التدافع‭ ‬المدني‭ ‬المشروع،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬المواطنين،‭ ‬كلما‭ ‬اشتعلت‭ ‬حدة‭ ‬الفساد،‭  ‬إلى‭ ‬احتلال‭ ‬الساحات‭ ‬والشوارع‭. ‬
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬حكاية‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الفساد‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬متواصلة،‭ ‬فإن‭ ‬الانكباب‭ ‬على‭ ‬تطهير‭ ‬أهم‭ ‬حاضناته،‭ ‬وإخلاء‭ ‬أهم‭ ‬مراعيه،‭ ‬أصبح‭ ‬مهمة‭ ‬وطنية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬«قضية‭ ‬وطنية»‭ ‬تجنبا‭ ‬لكل‭ ‬كوابيس‭ ‬المستقبل‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تهدد‭ ‬البلاد‭ ‬وتدخلها‭ ‬نفقا‭ ‬مظلما‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬دون‭ ‬خسارات،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬حاضنة‭ ‬للفساد،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬الوقائع‭ ‬والملفات‭ ‬الجارية‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المحاكم،‭  ‬هي‭ ‬الأحزاب،‭ ‬مما‭ ‬يقتضي‭ ‬تنظيم‭ ‬حملة‭ ‬داخلية‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬بغاية‭ ‬اجتثاث‭ ‬العناصر‭ ‬الفاسدة‭ ‬من‭ ‬صفوفه،‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬«التزحلق»‭ ‬نحو‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬فقط‭ ‬معرفة‭ ‬القانون‭ ‬وتفسيره‭ ‬وتأويله‭ ‬حسب‭ ‬المصالح‭ ‬والأهواء،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬أي‭ ‬«صك‭ ‬حزبي»‭ ‬أو‭ ‬«جواز‭ ‬المرور»‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الزعيم‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭. ‬فهذا‭ ‬ليسا‭ ‬حصرا‭ ‬على‭ ‬«نخبة»‭ ‬أو‭ ‬حكومة»‭ ‬أو‭ ‬ «حزب‭ ‬سياسي»،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليسمخصصاً‭ ‬لفئة‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يتطلب‭ ‬أساسا‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقانون،‭ ‬والولاء‭ ‬للمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وفق‭ ‬الحد‭ ‬الأخلاقي‭ ‬المفروض‭ ‬في‭ ‬المدبر‭ ‬العمومي‭. ‬وعلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يضطلع‭ ‬هؤلاء‭ ‬المدبرون،‭ ‬بمهام‭ ‬تشريع‭ ‬القوانين‭ ‬وتسهيل‭ ‬متطلبات‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتمثيل‭ ‬حقوقهم‭ ‬وصيانة‭ ‬حرياتهم‭.‬

من‭ ‬الواضح،‭ ‬إذن،‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬ليست‭ ‬حربا‭ ‬سهلة،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاتتصار‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬وتفعيل‭ ‬أخرى،‭ ‬وتقديم‭ ‬الدليل‭ ‬الفكري‭ ‬والمادي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬خيار‭ ‬استراتيجي‭ ‬ليسترجع‭ ‬المغاربة‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬وفي‭ ‬نخبتهم‭.‬

‭ ‬نعم،‭ ‬هذا‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتا‭ ‬وجهدا‭ ‬كبيرين،‭ ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬تجذر‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬آليات،‭ ‬وتغلغل‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحزبية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬والجماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والإدارية‭ ‬والرياضية،‭ ‬لكن‭ ‬المواجهة‭ ‬ضرورية،‭ ‬أولا‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوط‭ ‬الدولية‭ ‬والاقليمية‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد؛‭ ‬وثانيا‭ ‬بسبب‭ ‬قدرة‭ ‬الفساد‭ ‬«إذا‭ ‬ترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب»‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الثغرات،‭ ‬ليكون‭ ‬هو‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬سيناريو‭ ‬سيحول‭ ‬المغاربة‭ ‬إلى‭ ‬رهائن‭ ‬للجدران‭ ‬والظلام‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية"الوطن الآن"
رابط العدد هنا