21 نونبر 2011 -21 نونبر 2023: الذكرى 13 لرحيل الفنان صالح الشرقي.. سفير الموسيقى المغربية

21 نونبر 2011 -21 نونبر 2023: الذكرى 13 لرحيل الفنان صالح الشرقي.. سفير الموسيقى المغربية الراحل الملحن المغربي صالح الشرقي
الملحن المغربي الوحيد الذي غنت له سيدة الطرب كوكب الشرق أم كلثوم بطلب من الملك الحسن الثاني..
 
تلعب الموسيقى دورا دبلوماسيا كبيرا بين الدول قد لا تقوم به بعض المؤسسات الرسيمية٠ صالح الشرقي ( 1923 -2011) موسيقي مغربي وملحن وعازف على القانون ومؤلف كتب موسيقية، كان من خيرة سفراء الموسيقى المغربية والعربية ليس في عالمنا العربي فحسب ولكن عبر القارات٠
زار عدة عواصم ومدن عربية ودولية، قام خلالها بتقديم تعاريف وشروح عن الموسيقى المغربية والعربية وأدواتها وكيفية العزف على آلة القانون بصفة خاصة٠
كما أتاحت له هذه الزيارات فرص الاطلاع على الثروات الموسيقية التي تزخر بها مناطق عديدة في كافة القارات التي وثقها في الست كتبه التي ألفها.
محطاته الموسيقية متعددة ومختلفة الهند وأذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وبخارى وإيران وتركيا والسعودية واليمن ومصر والجزائر وتونس وتايلاند واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والصين واليابان وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وأمريكا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والاتحاد السوفياتي والبرازيل والشيلي والنمسا وكندا٠
جمهورية مصر العربية المدرسة الأولى للموسيقى العصرية المغربية
"تعتبر مصر المدرسة الأولى للموسيقى العصرية بالمغرب في الخمسينيات من القرن الماضي، وهيمنتها لعدة سنوات على مسار الفن ببلادنا شكلا ونغما وأداء"، يؤكد الموسيقار المغربي صالح الشرقي في مؤلفه الذي يخصص فيه حيزا لسيرته الذاتية :"جل ترى المعاني ".
لقد كانت مصر لكل الفنانين المغاربة قبلة لاهتمامهم لما لها من سبق وإشعاع على الساحة العربية وخاصة عالم الموسيقى.
كانت أول زيارة للموسيقار وعازف القانون صالح الشرقي لمصر في إطار فرقة موسيقية مغربية خماسية ترافق الأميرة للانزهة وزوجها الوزير الأول آنذاك السيد ادأحمد عصمان سنة 1974، أعقبتها زيارة خاصة سنة 1987، وآخرها للمشاركة في إحياء الأسبوع الثقافي المغربي بمصر سنة 1989.
وإذا كانت الزيارتان 1974 و 1989 تتسم بالرسميات، فقد كانت لزيارة 1987 دوافع اقتناء آلة قانون جديدة من أرض الكنانة٠ وهذه الرحلة مكنت الموسيقار المغربي من الالتقاء ببعض الفنانين المهتمين بتاريخ الموسيقى المصرية ومن زيارة المكتبات الموسيقية ومحلات الاسطوانات القديمة المنتشرة بكثرة٠ و يقول الموسيقار والمؤلف صالح الشرقي في كتابه "جل تر المعاني": « إن ما أدهشني هناك كون أنه لكل فنان مصري مردوديته حسب موهبته ومجهوداته٠ وما كان لذلك أن يكون لولا التأطير والتنظيم الواعي للساحة الفنية بمصر، من خلال فعالية نقابة الموسيقيين واستقلاليتها، الشيء الذي كنا نفتقده نحن بالمغرب ولم نتمكن بعد من إرسائه فعليا " .
إيران 1968 ومهرجان سيراز السنوي الدولي للموسيقى
زار الموسيقار المغربي صالح الشرقي إيران مرتين سنتي 1968 و 1974.
كانت الزيارة الأولى تلبية لدعوة المشاركة في مهرجان سيراز الدولي للموسيقى٠ المهرجان الذي دأب الإيرانيون على إقامته سنويا من 1967 الى 1977 إحتفاءا بالفنان والمؤلف الإيراني عبد الله سيراز٠
وقد كان الوفد المغربي يضم عناصر من الجوق الوطني الموسيقي هم د: عمر الطنطاوي ( العود)، ومحمد بنبراهيم ( الناي )، واحمد الشجعي ( الكمان)، ومحمد كرم ( الدف او الايقاع )، وصالح الشرقي (القانون).
« وأشد ما أثار انتباهي خلال هذا المؤتمر هو التقدير والحفاوة الكبيرة التي يلقاها رجال الفن والأدب في تلك الربوع، واعتناء الإيرانيين بالإطلاع على الجديد من الثقافة والعمل على ترجمة مختلف الكتب من لغاتها الأصلية الى اللغة الفارسية…..وكان مكان المهرجان بمقام يضم رفات الفنان الإيراني، وكان على الفنان قبل تقديم وصلته للجمهور وفي هيبة المقام يؤدي التحية على يمينه لصاحب القبر ثم يحيي الجمهور قبل أن ينخرط في مباشرة مقطواعاته٠٠٠٠ ». …. " …حدثت لي حادثة غير سعيدة حين لم يتم السماح لي بالاحتفاظ معي بآلتي الموسيقية القانون داخل الطائرة الإيرانية المتوجهة للمغرب، مجبرا على تركه مع الأمتعة، الأمر الذي أدى الى تكسيره٠ ومنذ ذلك الوقت حرصت على أن يكون القانون إلى جانبي أينما رحلت وارتحلت ٠٠٠٠٠٠ "
 
هذه شذرات مما احتفظت به ذاكرة الفنان صالح الشرقي عند زيارته لإيران٠
هذا مع الإشارة أن الزيارة الثانية لإيران سنة 1974 تميزت بحصول الموسيقار المغربي على وسام من عاهلها آنذاك الشاهنشاه محمد بهلوي٠
 
آلة الكير وفرقة إقبال الباكستانية
هذه الزيارة كانت مناسبة للباحث في الموسيقى صالح الشرقي، لرصد ملامح الموسيقى والغناء بباكستان، حيث اكتشف لدى فنانيها الاعتناء الشديد بالمهارة الفائقة في الأداء الصوتي وتميز الفرق الموسيقية بالعزف على بعض الآلات المحلية خاصة آلة "الكير"، الشبيهة بالأكرديون وكذا التعرف على "فرقة إقبال" الموسيقية الشهيرة بتلك الربوع٠
ويذكر الفنان صالح الشرقي في مذكراته أن هذه الرحلة الى باكستان مع زميله عازف الكمان محمد السميرس، كانت على حسابهم الخاص مقاما وتنقلا ولم يكلف المسؤولون المغاربة حتى عناء شكرهم على الدور الذي قاموا به هناك لفائدة بلدهم ولا تقدير الخدمة التي أسدوها للثقافة و الديبلوماسية المغربية هناك.
 
سوريا 1973.. الموسيقى المغربية ممثلة بكتب صالح الشرقي
في سيرته الذاتية يقول صالح الشرقي « أما سوريا فإن قدمي لم تطأ أرضها، وإنما وطأها كتابي "المستظرف في قواعد الفن والموسيقى"، الذي عقب إصداره، بعثت بنسخة منه الى وزارة الثقافة والإرشاد القومي السورية عن طريق سفارة المغرب سنة 1973، بغاية إطلاع مدير المعهد العربي للموسيقى السيد صلحي الوادي وكذا الموسيقار السوري الأستاذ العقيلي على هذه الثمرة وأخذ رأيهما في تأليفها٠ وقد تلقيت ردهما على ذلك وكان ردا مشجعا مشفوعا برغبة وزارة الثقافة السورية في اقتناء 25 نسخة من الكتاب المذكور" .
 
المؤتمر الدولي للقانون والقيثارة ببغداد برئاسة منير بشير
العراق وطن الشعراء والمبدعين وبلد إسحاق وإبراهيم الموصلي ومسقط رأس زرياب قديما ومنير بشير حديثا، كان أول اتصال الموسيقار المغربي صالح الشرقي بهذا البلد بصورة غير مباشرة سنة 1964 حينما شارك بنسخ من كتبه الموسيقية وذلك في المؤتمر الدولي للموسيقى العربية ببغداد٠
أما الزيارات الفعلية فقد كانت لمرتين سنة 1974 و 1978 بدعوة من البعثة الموسيقية العراقية برئاسة الاستاذ منير بشير للمساهمة في "مؤتمر القانون والقيتارة"، المنعقد آنذاك ببغداد٠ والفنان منير بشير موسيقار عراقي ويعتبر من أهم عازفي العود في القرن العشرين ( الميلاد بالموصل سنة 1930 -الوفاة بودابست عاصمة المجر سنة 1979)٠
خلال هذه الزيارة للعراق يشير الموسيقار صالح الشرقي في مذكراته الى العدد الهام من المؤسسات الفنية والمتاحف والمعاهد والاهتمام الشديد برجالات الفن والتراث الموسيقي الأصيل ودأبهم الكبير على الحفاظ على المقامات العراقية وخاصة القديم منها٠
 
دول الخليج والشغف بأغاني نعيمة سميح
خلال سنة 1974 رافقت فرقة موسيقية خماسية مغربية الوزير الأول آنذاك السيد أحمد عصمان والأميرة المرحومة للا نزهة لزيارة الكويت والبحرين وقطر وعمان والامارات٠ ويشير عازف القانون صالح الشرقي في ملاحظاته التي ضمنها في كتابه "جل تر المعاني" :« لمست انتشار الأغنية المغربية بهذه الأقطار وإعجابهم الشديد ببعض الإيقاعات المغربية. على أن ما أدهشني هو الشهرة الكبيرة التي كانت تحظى بها الفنانة المغنية المغربية نعيمة سميح، إذ قلما لا تدرج أغنيتها "البحارة" في برامج ما يطلبه المستمعون " .
 
السعودية : تطوير الأوزان والمقامات
زار الفنان صالح الشرقي المملكة العربية السعودية مرتين بغرض مناسك الحج والعمرة ( 1969 و1992). المرة الثالثة كانت بمناسبة الأسبوع الثقافي المغربي بالرياض سنة 1979.
في هذه الفترة يشير الباحث في الموسيقى المغربية والعربية الاستاذ صالح الشرقي الى محدودية النمط الموسيقي السعودي واقتصاره على الصبغة المحلية٠ وكان رائد هذه الفترة بالسعودية الفنان المشهور طلال مداح٠
ويؤكد صالح الشرقي خلال زياراته لهذا البلد أن السعوديين اقتنعوا بلا جدوى محدودية الإتصال الفني ومحلية أنماطه، مما حدا بهم إلى تطوير أوزانهم ومقاماتهم وإخضاعها للقوالب العلمية الموسيقية، وهذا يفسر خروجها من قوقعتها وبلوغها الى مسامع مختلف الأقطار العربية، والى جانب ذلك صار الفنان السعودي بدوره يميل الى التعامل مع الألحان والكلمات المصرية من أجل الحصول على الشهرة٠
وفي ملاحظاته التقنية على الموسيقى السعودية يقول الموسيقار صالح الشرقي « …تعتمد فرقة موسيقية سعودية مكونة من ثلاثين شخصا على عود واحد وبضع آلات نقر ويستخدم باقي الأفراد التصفيق بالأيدي ( الرش) ٠
 
اليمن 1989 العود وجلسات قول الشعر
هناك وجود متميز لآلة العود لا يضاهيه إلا طغيان جلسات قول الشعر في المجالس اليمنية الأعتيادية٠ هذا ما علق بذاكرة صالح الشرقي عند قيامه بزيارة لليمن سنة 1980 .
 
أذربيجان -أوزبكستان- تركمانستان-بخارى و التشبث بالتراث الإسلامي
بين سنة 1971 و 1989 قام صالح الشرقي بزيارات متعددة للإتحاد السوفياتي حيث تمكن من زيارة عدد من المدن الكبرى لعدة ولايات إسلامية ومنها سمرقند وطشقند وبخارى٠ وخلاصة زياراته يجملها في « …قد تبين لي تشبث هذه الأقوام وأصالتها وتراثها الإسلامي الذي ظل متجليا في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية ، إذ لم تتمكن علمانية النظام السياسي من إفراغها من هويتها، خصوصا فيما يتعلق بأصالة الموسيقى الإسلامية التي ظلت متوارثة، محافظة على نمطها القديم والمتجدد، الذي وجدته أقرب الى الفن التركي والإيراني منه إلى الباكستاني٠ وذلك باعتمادهم على جودة الأداء الصوتي الجماعي وعلى الآلات الوترية الى جانب النقرية رغم لكنتهم الأعجمية في تأدية المقطوعات».
 
النمسا وزيارة "دار موزارت"
الزيارة الأولى لصالح الشرقي للنمسا كانت سنة 1985 بمبادرة من السفارة النمساوية بالرباط. كانت فرصة لزيارة العاصمة فيينا الشهيرة بقصورها ومتاحفها ومعاهدها ومسارحها مثل مجمع الفنانين العالميين الذي يعرف « بدار موازات ». ويتكون هذا المجمع، يحكي صالح الشرقي في مذكراته، من ثلاثة طوابق. يضم أولها العديد من القطع الموسيقية الشهيرة والنوطات المدونة لجميع الملحين العالميين الراحلين ويضم الطابق الثاني سير مختلف هؤلاء المبدعين وصورهم وبعض الآثار التي تخصهم والطابق الثالث هو مكان لعرض مختلف المخطوطات والوثائق الفنية والمؤلفات الموسيقية النادرة.
 
صالح الشرقي في حضرة تاج محل بالهند
في سنة 1980 قضى المبدع صالح الشرقي أسبوعا بنيودلهي حيث قام بتسجيل معزوفات على القانون باستوديوهات الإذاعة الهندية مع تنازله عن المقابل المادي لفائدة الناشئين من الموسيقيين الهنديين، وذلك رغبة في تقديم صورة عن الموسيقى المغربية في إحدى البلدان الأكثر ثراء على المستوى الموسيقي٠ ويقول في كتابه "جل تر المعاني": « ..تتعدد المظاهر الثقافية والحضارية والروحانية بالهند ومن جملتها ثراء مظاهر الحضارة الاسلامية بها وهو ما لمسته من خلال زيارتي لتاج محل ولمسجد الإمام أحمد ».
 
التايلاند وخطبة الجمعة بالتايلاندية والإنجليزية
بدافع من الفضول عند زيارته للصين سنة 1980 وفي طريق عودته للمغرب حط الرحال عازف القانون المغربي بالتايلاند، حيث دون في مذكراته « وجدت بالتايلاند عددا مهما من المسلمين يتوفرون على مساجد عظيمة آية في الإتقان والروعة، وحضرت صلاة جمعة هناك وأثار استغرابي طريقة الخطبة التي كانت تقدم باللغتين التايلاندية والإنجليزية ».
 
إندونيسيا -ماليزيا -سنغافورة ودور النخب المنتخبة
استدعت المجموعة الحضرية للدار البيضاء الفنان صالح الشرقي والفنان عبد الرحيم الصويري سنة 1991 لإحياء حفلات التوأمة بين عاصمتي اندونيسيا ( جاكرتا ) و ماليزيا ( كوالا لمبور ) والدار البيضاء٠ وفي نفس السنة قام الشرقي بزيارة الى سنغافورة حيث أقيمت أول سهرة خاصة بالموسيقى العربية وذلك بتنظيم من جمعية الوحدة العربية الإسلامية بسنغافورة..
 
موسيقيون من الصين يعزفون الطرب الأندلسي المغربي
"...في سنة 1995 طرحت فكرة قيامي بجولة موسيقية للصين على المركز الثقافي الصيني بالرباط وذلك لتبادل الخبرات مع الموسيقيين الصينيين. وقد حظي طلبي بقبول الصين تحمل مصاريف الإقامة لقاء تحملي شخصيا بمصاريف التنقل إليها...". هكذا يحكي الفنان صالح الشرقي أول رحلة له لأرض الشمس المشرقة صفحة 124 من سيرته الذاتية « جل تر المعاني ». ويضيف: « هكذا مكثت بالصين مدة ثلاثة أسابيع زرت خلالها عدة مدن كبرى مثل شنغهاي وبكين وكانطون وسيان، حيث التقيت بعدد من الفنانين والباحثين في الموسيقى وعاينت المتاحف والمؤسسات الفنية وخاصة المتخصصة في تدريس التراث القديم ….وشد انتباهي احتفاظ هذا البلد بالسلم الخماسي الموسيقي على غرار دول شرق آسيا دون غيرها من المناطق٠ ولمست كذلك تقاربا كبيرا مع السلم الموسيقي البربري المغربي… ».
وقد تكررت الزيارات للصين سنوات 1990 و 1992 التي أثمرت على اهتمام احدى الفرق الموسيقية الصينية بالطرب الأندلسي المغربي حيث تمرنت وحفظت بعضا منها وأدتها أمام جمهور مغربي عند زيارتها للمغرب سنة 1994..
 
اليابان واندثار الآلات القديمة
قام الفنان صالح الشرقي برحلة الى اليابان سنة 1970 حيث لمس أن مظاهر المدنية بدأت تؤثر بشكل ملموس على مدى احتفا ظهم بأصالتهم وخاصة في الجانب الموسيقي، الذي راح يبتعد بفعل التكنولوجيا المتطورة يوميا لديهم حتى أصبحت آلاتهم القديمة وموسيقاها عرضة للاندثار واصبح استعمالها وصنعها محصورا في أماكن دون أخرى وتحول من طوكيو الى كيوطو٠
 
تشابه بين الموسيقى البربرية المغربية والفلامنكو الإسباني
شارك عازف القانون مصحوبا بالعكاف ولبلول عازفي القيتارة في إطار الثلاثي الموصلي الذي كونه صالح الشرقي في مهرجان البحر الأبيض المتوسط بألمونيكار عام 1987، وكذا في المعرض العالمي لإشبيلية سنة 1992 احتفاءا بمرور 500 سنة على اكتشاف أمريكا، وهذا الى جانب فرق موسيقية من 32 دولة. بعد هذه الزيارة سجل صالح الشرقي تعامل الاسبان مع الموسيقى بالعزف والجسد كنوع من التشابه بينهم وبين البربري عندنا بالمغرب. وذلك كون الإسبان البرابرة يؤديان فنونهما بأدوار متعددة، ففي نفس الوقت يرقصان بجسديهما ويعزفان بأناملهما ويعيشان بجوارحهما مع كل ماهو وجداني ٠٠٠٠٠الا ان موسيقى الفلامنكو اضحت عالمية..
 
الفادو البرتغالي والاحتفاء بالأم
عزف الموسيقار صالح الشرقي بالبرتغال سنوات 1957 و1980 و 1995. ويؤكد كون الموسيقى البرتغالية عكس ما يعتقده الكثيرون، تختلف أشد الاختلاف عن الإسبانية من خلال احتفاظها بتقاليدها وأصالتها المتميزة. اذ مقابل الفلامنكو الاسباني يبرز الأفادو Alfado البرتغالي. ويقول صالح الشرقي في مذكراته … « يشتهر البرتغاليون بآلة البلالايكا على شكل مندولين مثلثة الشكل على غرار الڤيتار لدى الإسبان » . ويضيف « أنه عاش لحظات يقشعر لها الجسد عندما صادف في إحدى الأمسيات حيث تقام عديد من الحفلات الموسيقية في جنبات الحانات والمطاعم غير أنه في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل شارفت هذه الأماكن على اقفال أبوابها وكانت المعجزة.
في لحظة واحدة كانت جميع الفرق الموسيقية المتواجدة تقدم في آن واحد أغنية مشهورة لدى البرتغاليين عن « الأم» إذ وقف لها كل الرواد خشوعا وتتغنى كلماتها عن أم تستبقي سقوط الأوراق من الشجر لتربطها بالأغصان، لما تمثله تلك الأوراق من رمز لحياة إبنها التي قد تنتهي بسقوط الورق ».
 
الإقامة بدار المغرب بباريس
اغترب الفنان صالح الشرقي بفرنسا لمدة سنتين مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بحثا عن لقمة عيش. أما أول زيارة فنية، فكانت سنة 1958 حينما بعثته الوزارة المكلفة بالمعاهد الموسيقية بالمغرب إلى باريس لتلقي تدريب لاستكمال التكوين الموسيقي بغاية التأهيل لتدريس الموسيقى بالمغرب، وذلك على يد الأستاذ الفرنسي مارطونو. وتعددت زياراته لفرنسا خاصة تلك من طرف مؤسسة التأليف الموسيقي SACEM التي وشحته بميدالية الاستحقاق سنة 1974.
وفي سنة 1984 أقام بين ظهراني دار المغرب بباريس لمدة أسبوع بمناسبة الأسبوع الثقافي المغربي.
 
بلجيكا والتسجيل على أسطوانات الليزر
زار الفنان صالح الشرقي بلجيكا ثلاث مرات سنوات 1983 و 1993 و1994 من أجل إحياء حفلات لأفراد الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد. وقد وجد لديهم توفرهم على استوديوهات تسجيل عالية الجودة وأقل تكلفة عما عداها من دول غرب أوربا، مما شجع الموسيقار المغربي في رحلته الأخيرة على تسجيل ألحانه الموسيقية على اسطوانات الليزر. هذا في وقت كان يستحيل فيه إمكانية تسجيل محترف بالمغرب٠
 
اهتمام الألمان بالموسيقى الاندلسية دراسة وضبطا
أول زيارة لألمانيا كانت سنة 1962 حيث قام الفنان صالح الشرقي بزيارة لألمانيا على حسابه الخاص مما جعل الألمان يقابلونه بالتشجيع مستغربين لمجيء موسيقي مغربي إلى بلدهم من أجل الاطلاع والبحث في الميدان الموسيقي. وكان أكثرهم اندهاشا هو الفنان الألماني « أورط »، الذي سبق وكان استاذا بالمعهد الموسيقي بالرباط لآلة الكمان. ومعه سنحت الفرصة لصالح الشرقي لزيارة استديوهات وبنايات الإذاعة والتلفزة بكولونيا حيث عاين جوانب العمل بهذه المؤسسة والطريقة الإحترافية لوضع وضبط البرامج ومدى التشبث بإحترام أذواق الجمهور.
ومما استرعى اهتمام صالح الشرقي خلال زيارته الثانية لألمانيا سنة 1979 هو اهتمام الألمان بالفنون العالمية. إذ خلال هذه الزيارة الثانية يقول صالح الشرقي « وقفت على خطة الألمان لتتبع كل سنة الآثار الفنية لقطر من الاقطار الإفريقية، دارسين موسيقاه درسا عميقا وعلى مختلف المستويات . وكانت تلك السنة خاصة بالموسيقى الأندلسية، لذلك قاموا باستدعاء جمعية هواة الموسيقى الاندلسية المغربية قصد الوقوف على خصوصية هذا اللون ومقاماته وأغانيه والآلات المعتمدة في جوقه شكلا وعزفا وكأنها ورشة بحث تدقق وتحقق في كل مقومات وخصائص الموسيقى الأندلسية المغربية دراسة وتصنيفا وضبطا ».
 
الكانطيلي آلة من فنلندا شبيهة بالقانون
بدعوة من أحد الأساتذة الجامعيين بالنرويج، شارك صالح الشرقي سنة 1987 في أسبوع ثقافي بهذا البلد اغتنمها فرصة للاتصال بالدول المجاورة هولندا والسويد والدانمارك وفنلندا، للتعريف بآلة القانون والموسيقى المغربية. وقد عاين الفنان المغربي بفنلندا آلة شديدة الشبه بالقانون في هيكلها تدعى « الكانطيلي ». وقد شعر صالح الشرقي بالفخر خلال زيارته للنرويج حيث لمس سفينة « راع » التي جرى إبحارها من آسفي الى أمريكا في بداية السبعينات.
 
الولايات المتحدة الأمريكية و موسيقى الزنوج
زارها الموسيقار صالح الشرقي اول مرة سنة 1969 وقد نبعت في ذهنه هذه الفكرة اثناء تعاونه في الرباط مع الشاعر العربي الأصل عوض حنا الذي كان ملحقا ثقافيا للسفارة الامريكية والذي كان عازف القانون صالح الشرقي يواكب قراءاته الشعرية بتمويج موسيقي على آلة القانون وذلك في أمسيات المركز الثقافي الأمريكي بالرباط. وقد تم تخصيص برنامج للفنان المغربي لزيارة إحدى عشر ولاية جال خلالها في مختلف المعاهد والجامعات الأمريكية.
ومما تحتفظ به ذاكرة صالح الشرقي أنه طرح عليه سؤالا بإحدى الجامعات الامريكية حول وجهة نظره بخصوص العنصرية في أمريكا. وقد فاجأ جوابه أنذاك الجمهور الأمريكي اذ كان كالتالي: " لولا انتشار موسيقى الزنوج لما عرفت أمريكا لدى المغاربة".
 
البرازيل و موسيقى السامبا
بمبادرة خاصة من الموسيقي صالح الشرقي كانت الزيارة الاولى للبرازيل سنة 1980 حيث زار ريو دي جانيرو وساو باولو وبرازيليا. خلال هذه الزيارة التي دامت عشرة أيام أحس صالح الشرقي بالروح المتعلقة دوما بموسيقى وايقاعات السامبا. وقد أتيحت للموسيقار المغربي زيارة ثانية للبرازيل سنة 1986 بدعوة من السيد العربي المساري سفير المغرب انذاك٠
 
الجزائر والإهتمام بالملحون المغربي
قام الموسيقي المغربي بعدة زيارات للجزائر كانت أولها سنوات الخمسينات على عهد الاستعمار ثم زارها في نهاية الستينات في إطار الأسبوع الثقافي للشعوب الأفريقية وفي بداية السبعينات في إطار الأسبوع الثقافي المغربي لإحياء عدة حفلات فنية بالمدن المغربية، ثم في سنة 1983 بدعوة من وزارة الثقافة الجزائرية بمناسبة اليوم العالمي للطفل كما زارها سنة 1992 في إطار الأسبوع الثقافي المشترك بين مدينتي مغنية و جمعية هواة الموسيقى الاندلسية بطنجة برئاسة مولاي ادريس الوزاني. وقد أتاحت هذه الزيارات للاتصال بعدد من أعلام الموسيقى الجزائرية وخاصة الطرب الغرناطي وعلى رأسهم الملقب ب "عبابسة"، وعازف الكمان الفخارجي، وعلى عدد من حفاظ الموسيقى الأندلسية بالجزائر كالحاج عبد الكريم دالي والشيخ العربي المساري وإبنه رضوان والطاهر الفرجاني والصادق البجاي والحاج محمد العنقا. وقد أثار انتباه الفنان صالح الشرقي انتشار الملحون المغربي وشغف الجزائريين بقصائده حيث يقومون بحفظها وأدائها بعد إخضاعها للطريقة الجزائرية.
 
تونس واللهفة للاستماع لمجموعة جيل جيلالة
كانت أول زيارة لتونس رفقة الجوق الوطني في إطار مهرجان الأغنية المغاربية سنة 1965 بمشاركة عدة فرق موسيقية عربية من المغرب وتونس والجزائر ومصر والعراق وحتى إيران، حيث دأبت تونس على إقامة مهرجان سنوي للأغنية المغاربية والعربية. وسمحت الزيارات المتعددة للموسيقي المغربي التعرف على بعض أعلام الطرب والموسيقى التونسية كالمغني الشهير علي الرياحي والملحن الجاموسي والقانونجي حسن الغربي والمطربين محمد حمزة وعليا ونعمة. ويتذكر صالح الشرقي انه خلال زيارة في السبعينات مع الجوق الوطني وقد كانت رافقته مجموعة جيل جيلالة قصد إحياء حفل بمسرح الهواء الطلق بالعاصمة، وكان المسرح غاصا بالجمهور الذي أتى خصيصا لمشاهدة مجموعة جيل جيلالة.
 
الموسيقى الموريتانية والموروث الفني بالصحراء المغربية
أول زيارة لنواكشوط كانت سنة 1973 في إطار الجوق الوطني قصد إحياء حفلات موسيقية. وقد مكنت الباحث الموسيقي صالح الشرقي زياراته الموالية نهاية السبعينيات من القرن الماضي للتعرف على بعض المبدعين الموريتانيين أمثال الفنان سيداتي والفنان ولد نانا الذي كان يشرف على فرقة موسيقية مكونة من أفراد عائلته. وكان اهتمام صالح الشرقي هو البحث في جوانب الموسيقى الموريتانية ومدى مقاربتها للتراث الفني المغربي بالصحراء المغربية المسترجعة.
 
 
محمد أنور الشرقاوي الشرقي، طبيب / ابن الموسيقار المغربي صالح الشرقي الشرقاوي