لست ادري من أين ياتيني هذا الاحساس، هل من جرسيف مسقط راسه والتي تعني بالامازيغية " بين الوادين " ام من تخصصه الاكاديمي في قضايا العالم القروي أم من سراديب مساره النضالي والحقوقي؟
سي احمد، اذا التقيته ومد لك يده للتحية، فهو حاضر معك بكل بوجدانه والعين في العين .فلا مكان عنده لانصاف الحلول. هذه الخاصية لازمته في تشعبات حياته بمسارها العلمي والمهني والسياسي .فعلى لسانه قناعاته ولا يخشى في ذالك لومة لائم .
لعل الجدية التي كانت تسطع من النظرات الحادة لسي احمد لم يكن يقلل من جبروتها على محيطه ،الا انفراج بسمته واطمئنان هدوءه وصوفية تواضعه.
الهدوء الذي زلزل به في سنة 2007 صحفي الجزيرة احمد منصور وأخرجه عن صوابه وهدوءه المصطنع في برنامج “بلا حدود”، ولم يكن قد مضى على تعيينه على رأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلا أقل من ستة أشهر . أحمد منصور وما أدراك ما أحمد منصور قاهر السياسيين والمحاور الشرس والقارئ النهم، الذي حاول استفزاز سي أحمد حرزني حول مساره النضالي أحيانا وحول حصيلة هيئة الانصاف والمصالحة ووضعية حقوق الإنسان بالمغرب أحيانا اخرى. لكن لم تنفع أحمد منصور مع سي اد أحمد لا تَقِيَة الاخوان المسلمين ولا صراخ ساحة رابعة العدوية.
قد يكون عددا من رفاق الأمس وأصدقاء اليوم اختلفوا مع سي أحمد في رؤيته وتقديره وتقييمه للاوضاع .إلا أن هؤلاء وأولائك يشهدون أن الثابت في حياة سي احمد هو التعبير والدفاع عن قناعاته. وفي ذلك لم يكن سياسيا يميز بين الاستراتيجي والتاكتيكي بل كان عقائديا في الجهر بمواقفه، بدون لف ولا دوران، حتى في سنوات الرصاص وداخل السجون التي مر منها. ويا ما جنا عليه ذلك من احتكاك مع الرفاق والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء. لكن ظل محط تقدير واحترام.
وفاء سي أحمد لمعارفه وأصدقاءه وحب زملائه في العمل، تلاحظها في بساطة الأمور وديمومتها. فكلما نلتقي نتحدث في كل شيء متغير في الحياة، من غورباتشوف وكورونا إلى داعش وأوكرانيا. يبقى الثابت عند سي احمد هو السوال والاطمئنان عن الأسرة بوزان وإفران والعرائش والذي جمعته واياهم ظروف الحياة.
في مناسبة سعيدة بمدينة العيون لصديق وزميل لي في العمل كان سي أحمد رئيسه في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. قضينا معا يومين حضر فيها سي احمد كل فقرات العرس الصحراوي، وبلباس أهل البلد، محبة وتقديرا ووفاء لصديقه وزميله السابق.
وما دام أن الهدية لا سرية فيها فقد أهدى سي أحمد، على عادة كبار القبيلة، جملا لمحمد سالم الشرقاوي الذي شاءت الأقدار أن يكون الان يرقد بالمستشفى ويمر هذا الشاب النشيط والحيوي بظروف صحية حرجة شافاه الله.
من مكر الحياة، عندما كان يصرخ سي احمد حرزني صرخة الازدياد سنة 1948 بجرسيف كانت اصوات المدافع لاول حرب عربية اسرائيلية قد نشبت على أرض فلسطين، تسقط اولى الشهداء وليتم الاعلان عن “ قيام اسرائيل “ وهاهو سي احمد المناضل الفلسطيني طيلة حياته والعارف بخباياها وتشعباتها ينزل من فوق صوة الحياة ليعانق رحابة السماء وليجد اطفال فلسطين ومرضى مشفى المعمداني ونساء غزة في استقباله مع الشهداء والصدقين .