بوعياش: التطرف العنيف هو ضد الحياة لكونه ينفي قيمتها السامية

بوعياش: التطرف العنيف هو ضد الحياة لكونه ينفي قيمتها السامية آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن للمعرفة العلمية في مسار مواجهة التطرف العنيف، دور أساسي، يفيد في تحديد العناصر المتعددة الأبعاد والتداعيات الخطيرة التي تثيرها، ويمكن أن تقدم إطارا معياريا لمعالجة الإشكاليات وأسبابها الجذرية، الظاهرة منها والخفية، خاصة وأن ظاهرة التطرف العنيف في غالب الأحيان ترتبط بنزعات الانطواء على الذات ورفض الآخر والتعصب.
وأضافت في كلمة لها يوم الثلاثاء 14 نونبر 2023 في المؤتمر الدولي الثالث حول "المعرفة العلمية في مسار مواجهة التطرف العنيف" أن اتساع دوائر التعصب، العابر للحدود، والعنف القائم على رفض أفراد أو مجموعات، وأحيانا حتى مجتمعات، يتعاظم، يوما بعد يوم، بفعل التحولات الكبرى التي يعرفها العالم، في قيمه ومن جراء الاتساع الكبير للحروب والنزاعات، ولدور وسائط التواصل الاجتماعي، كذلك، وللأسف، في نشر قيم عدائية لحقوق الإنسان.
وشددت على أن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان قناعة راسخة، كدولة، ومجتمع، بأن التطرف العنيف هو ضد الحياة، لكونه ينفي قيمتها السامية، وربما لا يتوقع الأضرار المادية والمعنوية والنفسية، ولا آلام المجتمع من فقدان ضحايا أبرياء، وأن المعرفة العلمية ستجدد الأدوات، لكون الرأي وتدبير العلاقات لا يفرض بمنطق العنف، بل بالجدال والحوار والحجة.
بوعياش أبرزت أيضا أن مسلسل تأصيل حقوق الإنسان وتأسيسها الفكري، غنته مساهمات فلاسفة ومفكرين من توجهات ومناطق وثقافات ومعارف متعددة، كل من موقعه وخلفياته، لوضع الإطار والمنهج الذي يكرس حماية الاختلاف والتنوع وحرية التفكير، والحق في ممارسة شعائر الدين وحرية العقيدة، على أساس المساواة بين الجميع، وأن اختلاف الناس في أنماط الثقافة، والسلوك والدين والسياسة، لا يلغي مع ذلك، وجود قواسم مشتركة بين الناس جميعا، وهي تلك التي تتعلق بماهية الإنسان، أي ما يجعل من الإنسان إنسانا، بصرف النظر عما يميزه عن الآخرين.
وزادت قائلة: "إن كونية حقوق الإنسان، ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين، إنما تتعلق بهذا المشترك والذي تتخذ منه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان موضوعا لها، وتدخل في إطار المشترك الإنساني أو ما يسميه المفكر عبد الله العروي "المتاح للبشرية جمعاء"، وأن عالمية حقوق الإنسان، تأسست وتتطور باستمرار، من أجل الحفاظ على ما هو موجود وحمايته، في صلب أي هوية لمختلف الثقافات والحضارات، غير أنه، في نفس الآن، يثير لدينا، ترسيخ عالمية حقوق الإنسان، التساؤل عن مدى التقائية الثقافات التي تشكل حقوق الإنسان التعبير المشترك عنها، والتي يتحتم عليها، أن تواجه، كل يوم، توترات ذات طبيعة هوياتية، وأشكالا مختلفة من التطرف العنيف، وتنامي خطابات الإقصاء والكراهية".
وفي السياق ذاته، أوضحت بوعياش أننا "نواجه أشكالا، وبوثيرة سريعة، لدعوات إلى الكراهية والاستقطاب، والتطرف عبر الإنترنت لا تختلف جوهريا عن مثيلتها خارج الإنترنت، والفضاء الرقمي ونظم الذكاء الاصطناعي، يجعل هذا الخطر أكبر وأنجع في تحقيق أهدافه وحتى الإفلات من العقاب، بالنظر إلى عدة عوامل، من أبرزها المحتوى الفوري؛ الانتشار السريع للمحتوى؛ إمكانيات استخدام هويات مجهولة أو غير حقيقية؛ تأثير ديناميات خارجية والاستهداف لمجموعات ايديولوجية؛ ثم الطابع العابر للحدود الوطنية للإنترنت.
وشددت أنه بقدر ما تساهم النظم والتكنولوجيات، في تداول المعلومات، بقدر ما تساهم كذلك، في نشر التطرف العنيف، الذي غالبا ما ترافقه الإشاعات ويتغدى بالمحتوى المفبرك والمغالطات وخطب الكراهية ونظريات المؤامرة، التي قد تنتشر مثل النار في الهشيم، في ساعات أو حتى دقائق قليلة تصل إلى جماعات واسعة، ثم تختفي بسرعة كبيرة؛ وقد تظل متاحة لفترات طويلة على الشبكات؛ وقد تظهر مرة أخرى على شبكات ومنصات أخرى، وتشهد موجات جديدة من الانتشار؛ كما تظل هوية من يطلقها ومن يديرها مجهولة.
وأفادت بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سبق أن رصد حملات من هذا النوع، أطلقتها حسابات مجهولة، استهدفت مجموعات مغلقة. عندما قام بتحليل سلوكيات وحسابات للصفحات والمجموعات المعنية، اتضح أنها تتكون في معظمها من حسابات مجهولة لمعظم المسؤولين النشطين القائمين على تدبير المحتوى، أحيانا بحسابات حديثة يعود تاريخ إنشاؤها لفترة ما قبل إطلاق هذه الحملات... مع احتمالات موضوعية لحملات كراهية، مشيرة إلى أن هذا واحد من الأوجه الخطيرة التي تتطلب دراسات وأبحاث ومتابعات، ميدانية واستثمار قوي في تطوير المعرفة العلمية وتحفيز الحس النقدي لمواجهة هذا النوع الخطير من الحملات ودعوات العنصرية والتمييز والتحريض الشديد على الكراهية... التي تعرض نظام القيم والديمقراطية وحقوق الإنسان لتهديد خطير وجوهري!