يدعو لحسن اليوسفي، مرشد نفسي وكوتش تربوي إلى ضبط النفس والتحلي بالهدوء لتجنبه التداعيات النفسية والاجتماعية للكوارث الطبيعية، ومن أجل الخروج بأمان من نتائج " نتائج ما بعد الصدمة "، والتي قد ينجم عنها حالات اكتئاب أو قلق بسبب الإحساس بالذنب وعذاب الضمير نتيجة عجز بعض المواطنين عن إنقاذ أقربائهم أو بسبب فقدانهم مساكنهم وأموالهم وكل ما يملكون، داعيا إلى المواكبة النفسية للضحايا عبر مختلف وسائل الإعلام والتصدي للشائعات التي تتسبب في تضخيم الأحداث مستغلة الثقافة السائدة التي ترفض التعاطي مع الأخصائيين والمعالجين النفسانيين.
كيف تنظر إلى التداعيات الاجتماعية والنفسية للزلزال الذي ضرب إقليم الحوز وامتد إلى عدد من المدن المغربية ؟
أعتقد أن الأمر يتعلق بصدمة غير متوقعة، وبالتالي فعدم الاستعداد للصدمة يضاعف من معاناة الضحايا، ويجعلها أقوى وقعا على الإنسان وعلى شخصيته ونفسيته، مما يجعل آثارها كبيرة جدا . ما هو مهم في مثل هذه الفواجع هو الإفلات بالنفس أولا، حيث أن الإنسان لا يفكر لا في ملابسه وفي حاجياته الشخصية ولا في مأكله ولا في ماله، حيث يهرع الجميع إلى فضاء خارجي، حيث يكون الهاجس هو إنقاذ النفس بالدرجة الأولى، ثم بعدها يقدم على إنقاذ أولاده وأقاربه، فهو لا يفكر حينها في حمل كتبه أو في حمل دفتر الشيكات أو وثائقه الشخصية.. وما هو مطلوب في مثل هذه الحالات حيث يسود الهرع والخوف والذي يزيد من مضاعفة نتائج الفاجعة هو ضبط النفس والتحلي بالهدوء، فبعض الصدمة يكتشف الإنسان أنه فقد بيته، فقد أمواله، فقد حاجياته، فقد أهله..فهنا يبرز مشكل آخر أعظم يسمى في علم النفس " نتائج ما بعد الصدمة "، وفي هذه اللحظة قد يدخل الإنسان في حالة اكتئاب أو قلق بسبب الإحساس بالذنب وعذاب الضمير نتيجة نجاته من الفاجعة وعجزه عن إنقاذ أمه أو أبيه أو شقيقه أو شقيقته أو زوجته أو ابنه، كما يشعر بكونه منقوص القوة ، ومنقوص الكرامة، ومنقوص العزيمة، ومنقوص الشرف، لكونه ترك أحد أقاربه عرضة للهلاك، كما يتولد لديه إحساس بالخوف تجاه أي موقف، وقد يصير بين عشية وضحاها مشرد في الشوارع، وربما قد يبيت في الخيام..إنه ما نسميه " تسونامي نفسي اجتماعي " يمس الإنسان في مثل هذه الحالات، وخصوصا أثناء وقوع الزلازل والفيضانات.
وما هو مطلوب في مثل هذه الكوارث، هل نحن بحاجة إلى حملات تحسيسية وتوعوية للتخفيف من معاناة الضحايا ومن أجل ضمان استئناف الناس لشؤون حياتهم بعيدا عن حالة الهلع والخوف ؟
أعتقد أن الأمر مرتبط بوجود ثقافة مبنية على الشائعات، وليست مبنية على العلم، وأعطيك مثال أن المواطنين بقوا خارج بيوتهم إلى غاية السادسة صباحا رغم أن خبراء تحدثوا إليهم عبر التلفزيون وأكدوا لهم أنه حتى وإن حدثت ارتدادات فستكون خفيفة، علما أن الزلزال لم يضرب المغرب وحده بل مجموعة من البلدان، وضمنها المكسيك وكاليفورنيا..بينما في المغرب نجد البعض يبحث عن فرصة من أجل الغياب عن العمل أو الدراسة، ويتم تضخيم الأحداث بسبب الافتقاد إلى المعرفة، فالابتعاد عن العلم تتولد عنه الشائعات والتي تتحكم في الوضع، ولذلك لابد من مواكبة نفسية علما أن هناك ثقافة في المغرب ترفض الذهاب الى الطبيب النفساني وترفض الذهاب إلى المختصين القادرين على مواكبتهم في مثل هذه الظروف، ونحن بحاجة ماسة أيضا إلى برامج تلفزيونية وإذاعية وعبر الصحف المكتوبة والإلكترونية لمواكبة الوضع، وبلوغ الوعي الكامل والوعي الشامل، أي استحضار وعي الإنسان في كل ما يفعله أو يفكر فيه..
وما رأيك بخصوص تناسل بعض الشائعات والأخبار الزائفة في مثل هذه الظروف ؟
الأمر مرتبط بضمير هؤلاء، فكيف يمكن لهؤلاء أن يسترزقوا بمعاناة الآخرين، فكيف يعقل أن شخصا فقد والديه وزوجته وأبنائه وأشقائه، بينما تمكن هو من الإفلات، بينما شخص آخر يسترزق من نشر فيديو يتعلق بمأساته، ولنعكس المشهد ولنتخيل أن مصور هذا الفيديو كان تحت الأنقاض أو كانت والدته أو والده تحت الأنقاض أو شقيقته أو زوجته أو ابنه أو ابنته.. هل كان سيحلو له الاسترزاق من معاناة أهله، وهذا يقودنا إلى مسألة الوعي الشامل التي سبق أن أشرت إليها، وهو ورش يتطلب عمل جبار للأسرة والمدرسة والمجتمع المدني، فمجتمعنا لا زالت تنخره الثقافة السائدة المبنية على الخرافات والشعوذة وغيرها.