عبدالحميد العدّاسي: بين يدي الطّبيب

عبدالحميد العدّاسي: بين يدي الطّبيب عبدالحميد العدّاسي
كنت لا أحفظ من الحديث، لمّا جلست بين يدي طبيب الأسنان،إلّا وصف الضّرس، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: جلست مع النّبيّ ﷺ في رهط معنا الرّجّالُ بن عَنْفُوَة، فقال ﷺ: (إنّ فيكم  رَجُلا ضرسُه في النّار أعظمُ من أُحُد) ، فهلك القوم وبقيت أنا والرّجّال، فكنت متخوّفا لها حتّى خرج الرّجّال مع مسيلمة فشهد له بالنّبوّة، فكانت فتنة الرّجّال أعظمَ من فتنة مسيلمة.
كان الطّبيب في حصّته الثّالثة والأخيرة مع الضّرس، يقتل عـــــــرقَه ويحشو ثُقبَه. استغرقت الحصّة الأخيرة قريبا من السّاعة. عملٌ كبير ودقيق ومسؤول. سِحْتُ مع نعم الله ﷻ وتفكّرت في بديع خلقِه وجودة صناعته وسموّها ورِفعتها. كم للمرء من ضرس أتقن الله تعالى صنعته؛ إذ أنبته. كم يصمد المرء أمام الآلام الاستثنائيّة بسبب اعتلال ضرس واحد من أضراسه! كنت في أوّل زيارة أطالب الطّبيب باقتلاعه، لولا إصراره على المحافظة على عَظْمته؛ يُقطَع الاتّصال بالأعصاب فيبيت الضّرس مجرّد حجر يحلّي المرءُ به طاقمه، يعيـــــــنه في المضغ وينتظر لــــــــه كســرا لاإراديّايذهب ببهائه وبنعمته.
رأيت الضّرس كالقلب يَصلَح ويَفسُد، ورأيته يُسعِد ويُشقي حتّى ما ترى شقاءً كشقاوتِه. رأيتُ الحجم الذي حدّث عنه النّبيّ ﷺ دليلا على عظم جرم المرء وإشارة إلى سوء عاقبته، فإنّ مساحة التَّماسِّ بآلة التّعذيب (وهي في الحالة النّار) تزيد من التّعذيب، واسألوا في ذلك مَن خضع للتّعذيب.
واحذروا أيّها الكرام، فقد يكون مِن المسلمين مَن هم أمثال الرّجّال، عياذا بالله تعالى. فإنّ الرّجّال لمّا اتّبع مسيلمة الكذّاب قد كذّب النّبيّ محمّدا ﷺ، وإنّ الذي يُنكر قوانين الله تعالى، كمنكري قانون الميراث مثلا في تونس، قد ذهبوا إلى أبعد ممّا ذهب إليه الرّجّال، فكذّبوا النّبيّ ﷺ وربّ النّبيّ ﷻ، وإنّ ذلك التّكذيب إن لم يقلعوا لمعظّمٌ أضراسهم ومعسّرٌ عليهم العذاب في نارٍ {وَقُودُهَا اَ۬لنَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَٰظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اَ۬للَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَۖ} (التّحريم: الآية 6). نسأل الله ﷻ العافية وحسن الخاتمة والثّبات على الحقّ.